قوله: ﴿ وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ ﴾ أتى بهذه الآية استطراداً بين أحكام اليتامى لمناسبة ذكر النساء، وأتى بالمد مصدره الإيتاء بمعنى الإعطاء، فلذا فسره به، وأما بالقصر فمصدره افتيان بمعنى المجيء. قوله: (جمع صدقة) أما بضم الدال أو فتحها أو إسكانها، ويقال أيضاً صداق بفتح الصاد وكسرها، ومعنى الجميع المهر الذي يجعل للمرأة في نظير البضع، وأقله عند المالكية ربع دينار شرعي، أو ثلاث دراهم شرعية، أو مقوم بأحدهما، وعند الشافعي يكفي أي شيء متموّل أو خاتماً من حديد، وعند الحنفية عشرة دراهم شرعية، وأكثره لا حد له بل بحسب ما تراضوا عليه، والأمر لللأزواج، فالمعنى لا تنكحوا النساء إلا بمهر، وخصصت السنة نكاح التفويض وهو العقد من غير تسمية مهر، فهو صحيح لكن يلزمه بعد الدخول صداق المثل. قوله: (مصدر) أي مؤكد لقوله آتوا من معناه كجلست قعوداً، ويسمى ذلك المصدر معنوياً. قوله: (عن طيب نفس) أي خالصاً لا منة للزوج به عليها. قوله: ﴿ فَإِن طِبْنَ ﴾ أي النسوة. وقوله: ﴿ مِّنْهُ ﴾ الضمير عائد على الصداق المعلوم من قوله صدقات، ومن يحتمل أن تكون للتبعيض أو البيان، فيحل للمرأة الرشيدة بعد الدخول أن تعطي زوجها المهر كله أو بعضه عند جميع الأئمة إلا الليث فعنده لا يحل لها أن تعطيه جميعه، فمن على ذلك يتعين أن تكون للتبعيض لا للبيان. قوله: (أي طابت أنفسهن) هذا بيان لكون نفساً في الأصل فاعلاً. قوله: (فوهبه لكم) أي اختياراً لا قهراً، وإلا فلا يحل أخذه، ويشترط أيضاً أن تكون المرأة رشيدة بالغة، وإلا فيحل أخذه. قوله: ﴿ فَكُلُوهُ ﴾ أي انتفعوا به، فأطلق الأكل وأراد مطلق الانتفاع. قوله: ﴿ مَّرِيئاً ﴾ أي ممروءاً لا غصة فيه ولا عقبة من قولهم جرى الطعام في المريء، أي العرق الأحمر الكائن تحت الحلقوم المسمى بالبلعوم، وهنيئاً مريئاً حالان من مفعول كلوه، والمعنى كلوه حال كونه هنيئاً حلالاً مريئاً سائغاً لا نكد فيه. قوله: (في الآخرة) أي ولا في الدنيا، فليس لورثتها طلبه. قوله: (على من كره ذلك) أي استنكافاً عنه وجعله كالرجوع في الهبة. قوله: ﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ ﴾ هذا رجوع لتتميم أحكام اليتامى، وأصل تؤتوا تؤتيوا، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان الياء والواو، حذفت الياء لالتقائهما. قوله: (والصبيان) معطوف على المبذرين. قوله: (أي أموالهم) أي وإنما نسبها للأولياء لأنهم هم المتصرفون فيها، فالإضافة ليست لذلك وإنما هي لأدنى ملابسة. قوله: ﴿ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً ﴾ جعل بمعنى صيّر، ولفظ الجلالة فاعلة، وقياماً مفعول ثان، والمفعول الأول محذوف تقديره جعلها، والضمير عائد على الأموال، ويحتمل أن جعل بمعنى خلق فقياماً حال، والمعنى لا تعطوا المبذرين والصبيان أموالهم التي جعل الله مقومة لمعاشهم وصلاحهم، قوله: (أودكم) الأود بفتحتين وبفتح فسكون معناه العوج. قوله: (وفي قراءة قيما) أي وهي سبعية أيضاً، وقرئ شذوذاً قواماً بفتح القاف وكسرها وقوماً كعنباً، وعموم الآية يشمل من أعطى مال اليتيم لسفيه مبذر يتجر له فيه وهو مشهور بالسفه والتبذير، فإن الولي منهي عن ذلك ويضمنه لفهمه بالأولى. قوله: ﴿ وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا ﴾ حكمة التعبير بفي، أنه ينبغي للولي أن يعطي مال اليتيم لرجل أمين يتجر فيه، ويكون مصرفه من الربح لا من أصل المال. وفي الحديث:" اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة "فالتجارة في أموال اليتامى مطلوبة عند جميع الأئمة. قوله: (عدوهم عدة جميلة) أي كأن يقول له مالك عندي وأنا أمين عليه، فإذا بلغت ورشدت أعطيتك مالك، وهكذا تطييباً لخاطرهم وجدهم في أسباب الرشد.