قوله: ﴿ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ ذكر سبحانه وتعالى خطاب المكلفين عموماً في أول السورة، ثم ثنى بمبدأ خلق آدم وقصته مع إبليس، وثلث بذكر بني إسرائيل سواء كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم أو قبله، وما يتعلق بهم من هنا إلى (سيقول السفهاء) فعدد عليهم نعماً عشرة وقبائح عشرة وانتقامات عشرة، والحكمة في ذكر بني إسرائيل الذين تقدموا قبل رسول الله مع أنهم لم يخاطبوا بالإيمان برسول الله أن من كان في زمنه صلى الله عليه وسلم يدعى أنه على قدمهم وأنه متبع لهم وأن أصولهم كانوا على شيء فلذلك تبعوهم، فبين سبحانه وتعالى النعم التي أنعم الله بها على أصولهم وبين لهم أنهم قابلوا تلك النعم بالقبائح وبين أنه أنزل عليهم العفاف ليعتبر من يأتي بعدهم وحكمة تخصيصهم بالخطاب أن السورة أو ما نزل بالمدينة وأهل المدينة كان غالبهم يهود أو هم أصحاب كتاب وشوكة فإذا أسلموا وانقادوا انقاد جميع أتباعهم فلذلك توجه الخطاب لهم وبني منادى مضاف منصوب بالياء لأنه ملحق بجميع المذكر السالم لكونه ليس علماً ولا صفة لمذكر عاقل، وبني مضاف وإسرائيل مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والعجمة، وبني جمع ابن وأصله قيل بنو فهو واوي وقيل بني فهر يائي، فعل الأول هو من النبوة كالأبوة وعلى الثاني هو من البناء، وإسرائيل قيل معنا عبد الله وقيل القوي بالله لأن إسراقيل معناه عبد أو القوي وإيل معناه الله، وقيل مأخوذ من الإسراء لأنه أسرى بالليل مهاجراً إلى الله تعالى، وإسرائيل فيه لغات سبع الأول بالألف ثم همزة ثم ياء ثم لام وبها جاءت القراءات السبع، الثانية بقلب الهمزة ياء بعد الألف، الثالثة بإسقاط الياء مع بقاء الهمزة والألف، الرابعة والخامسة بإسقاط الألف والياء مع بقاء الهمزة مفتوحة ومكسورة، السادسة بإسقاط الهمزة والياء مع بقاء الألف، السابعة إبدال اللام الأخيرة بالنون مع بقاء الألف والهمزة والياء وجمعه أساريل وأرسالة وأسارل، قوله: (أولاد يعقوب) أي ابن اسحق ابن ابراهيم الخليل. قوله: ﴿ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ﴾ الذكر بكسر الدال وضمها بمعنى واحد، وهو ما كان باللسان أو بالجنان وقال الكسائي ما كان باللسان فهو بالكسر وما كان بالقلب فهو بالضم وضد الأول صمت والثاني نسيان والنعمة اسم لما ينعم به وهي شبيهة بفعل بمعنى مفعول، والمراد بها الجمع لأنها اسم جنس، قال تعالى:﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾[إبراهيم: ٣٤] وقوله: ﴿ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾ جملة الصلة والموصول صفة للنعمة والعائد محذوف تقديره أنعمتها بالنصب على نزع الخافض ولا يقدر أنعمت بها لئلا يلزم حذف العائد من غير وجود شرطة لقول ابن مالك: كذا الذي جر بما الموصول جر. وليس الموصول مجروراً، فتأمل، قوله: (وغير ذلك) أي من بقية العشرة وهي العفو عنهم وغفران خطاياهم، وإتيان موسى الكتاب والحجر الذي تفجرت منه اثنتا عشرة عيناً والبعث بعد الموت وإنزال المن والسلوى عليهم. تنبيه: بقي ذكر قبائحهم العشرة وهي: قولهم سمعنا وعصينا، واتخاذهم العجل، وقولهم أرنا الله جهرة وتبديل القول الذي أمروا به، وقولهم لن نصبر على طعام واحد، وتحريف الكلم وتوليهم عن الحق بعد ظهوره وقسوة قلوبهم، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق. وأما عقوباتهم العشرة فهي ضرب الذلة والمسكنة عليهم، والغضب من الله، وإعطاء الجزية، وأمرهم بقتل أنفسهم، ومسخهم قردة وخنازير، وإنزال الرجز عليهم من السماء، وأخذ الصاعقة لهم، وتحريم طيبات أحلت لهم، وهذه العشرات في أصولهم، وقد وبخ الله المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم بعشرة أخرى: كتمانهم أمر محمد، وتحريف الكلم، وقولهم هذا من عند الله، وقتلهم أنفسهم، وإخراجهم فريقاً من ديارهم، وحرصهم على الحياة، وعداوتهم لجبريل، واتباعهم السحر، وقولهم نحن ابناء الله، وقولهم يد الله مغلولة، قوله تعالى:﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ﴾[المائدة: ٦٤].
قوله: (بأن تشكروها) أي تصرفوها فيما يرضي ربكم. وقوله: ﴿ وَأَوْفُواْ ﴾ يقال أوفى ووفى مشدداً ومخففاً. قوله: (من الإيمان بمحمد) أي في قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ﴾[المائدة: ١٢] الآيات. قوله: (بدخول الجنة) أي في وقله تعالى:﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ﴾[الأعراف: ١٥٧] الآيات وقوله تعالى:﴿ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾[آل عمران: ١٩٥] الآيات. قوله: (دون غيري) أخذ الحصر من تقديم المعمول، وإياي مفعول المحذوف يفسره قوله فارهبون، وهذا في الحصر أبلغ من (إياك نعبد) لأن اياك معمول لنعبد، وأما هنا فهو معمول لمحذوف لإستيفاء الفعل المذكور معموله وهو الياء المذكورة أو المحذوفة تخفيفاً فهو في قوة تكرار الفعل مرتين.