قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ لما ذكر سبحانه وتعالى أن التوبة من الذنوب نافعة، وكانت التوبة من جملة التقوى حث على طلبها هنا. قوله: ﴿ إِلَيهِ ﴾ متعلق بابتغوا. قوله: (ما يقربكم إليه) أي يوصلكم إليه، وقوله: (من طاعته) بيان لما، سواء كانت تلك الطاعة فرضاً أو نقلاً لما في الحديث: " وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به " الحديث. فالتقوى هنا ترك المخالفات، وابتغاء الوسيلة فعل المأمورات، ويصحّ أن المراد بالتقوى امتثال المأمورات الواجبة وترك المنهيات المحرمة، وابتغاء الوسيلة ما يقربه إليه مطلقاً، ومن جملة ذلك: محبة أنبياء الله وأوليائه، والصدقات، وزيارة أحباب الله، وكثرة الدعاء، وصلة الرحم، وكثرة الذكر وغير ذلك، فالمعنى كل ما يقربكم إلى الله فألزموه، واتركوا ما يبعدكم عنه، إذا علمت ذلك، فمن الضلال البين والخسران الظاهر، تكفير المسلمين بزيارة أولياء الله، زاعمين أن زيارتهن من عبادة غير الله، كلا بل هي من جملة المحبة في الله التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا لا إيمان لمن لا محبة له والوسيلة له التي قال الله فيها وابتغوا إليه الوسيلة ". قوله: ﴿ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ ﴾ عطف خاص على عام، إشارة إلى أن الجهاد من أعظم الطاعات، وهو قسمان: أصغر وهو قتال المشركين، وأكبر وهو الخروج عن الهوى والنفس والشيطان، وكان قتال المشركين جهاداً أصغر لأنه يحضر تارة ويغيب أخرى، وإذا قتلك الكافر كنت شهيداً، وإن قتلته صرت سعيداً، بخلاف النفس فلا تغيب عنك وإذا قتلتك صرت من الأشقياء، نسأل الله السلامة. قوله: (تفوزون) أي تظفرون بسعادة الدارين. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ هذا كالدليل لما قبله، كأن الله يقول الزموا التقوى ليحصل لكم الفوز، لأن من لم تكن عنده التقوى كالكفار، لا ينفعه الفداء من العذاب الخ. قوله: ﴿ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ﴾ لو شرطية، وفعل الشرط محذوف قدره المفسر بقوله: (ثبت) ﴿ أَنَّ ﴾ وما دخلت عليه فاعل ثبت، و ﴿ لَهُمْ ﴾ خبر أن مقدم، و ﴿ مَّا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ اسمها مؤخر، و ﴿ جَمِيعاً ﴾ توكيد له أو حال منه، و ﴿ مِثْلَهُ ﴾ معطوف على اسم ﴿ أَنَّ ﴾ وقوله: ﴿ لِيَفْتَدُواْ ﴾ علة له، وقوله: ﴿ بِهِ ﴾ أي بما ذكر وهو ﴿ مَّا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ ومثله أو حذفه من الأول لدلالة الثاني عليه على حد: فإني وقيار بها لغريب، والتقدير لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ليفتدوا به، ومثله معه ليفتدوا به، وقوله: ﴿ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ﴾ جواب الشرط، و ﴿ لَوْ ﴾ مع مدخولها في محل رفع خبر أن الأولى. والمعنى لو ثبت أن للكفار ما في الأرض جميعاً، ومثله معه، ويريدون الافتداء بذلك من العذاب ما نفعهم ذلك، وهو كناية عن عدم قبولهم، وعدم نفع عز الدنيا لهم. قوله: (يتمنون) أي حيث يقولون يا مالك ليقض علينا ربك. قوله: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ دفع بذلك ما يتوهم من قوله: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أنه ربما ينقطع.