قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ ﴾ أل للعهد الحضوري، أي الرسول الحاضر وقت نزول القرآن وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يخاطب بيا أيها الرسول إلا في موضعين هذا وما يأتي في هذه السورة. قوله: ﴿ لاَ يَحْزُنكَ ﴾ قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي، والباقون بفتح الياء وضم الزاي، والمقصود نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن الناشئ عن مسارعتهم إلى الكفر، رفقاً وتسلية له. قوله: (إذا وجدوا فرصة) أي زمناً يتمكنون فيه من الظفر بمطلوبهم، فالكفر حاصل منهم على كل حال، غير أنهم إذا وجدوا زمناً أو مكاناً يتمكنون فيه من إظهار فعلوا قال تعالى:﴿ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾[آل عمران: ١١٨] قوله: ﴿ مِنَ ﴾ (للبيان) أي لقوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ ﴾ على حد:﴿ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ ﴾[الحج: ٣٠].
قوله: (متعلق بقالوا) أي لا بآمنا، والمعنى أن إيمانهم لم يجاوز أفواههم، وقوله: ﴿ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ﴾ الجملة حالية. قوله: (وهم المنافقون) أي ويسمون الآن زنادقة. قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ ﴾ يحتمل أنه معطوف على ﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا ﴾ فيكون بياناً للذين يسارعون في الكفر أيضاً وهو الأقرب، وعليه فقوله: ﴿ سَمَّاعُونَ ﴾ حال من الذين ﴿ هَادُواْ ﴾ ويحتمل أنه خبر مقدم، وقوله: ﴿ سَمَّاعُونَ ﴾ صفة لموصوف محذوف هو المبتدأ المؤخر، فيكون كلاماً مستأنفاً، وقد مشى عليه المفسر، وعلى كل فقوله: ﴿ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾ الخ راجع للفريقين. قوله: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾ أي من أحبارهم، وسبب نزولها" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وقع بينه وبين قريظة صلح، فصاروا يترددون عليه، وبينه وبين يهود خيبر حرب، فاتفق أنه زنى منهم محصنان شريف بشريفة، فأفتوهم الأحبار بأنهما يجلدان مائة سوط، ويسودان بالفحم، ويركبان على حمار مقلوبين، ثم إنهم بعثوا قريظة للنبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن ذلك، وقالوا لهم: إن قال لكم مثل ذلك فهو صادق، وقوله حجة لنا عند ربنا، وإلا فهو كذاب. فأتوه فأخبرهم بأنهما يرجمان، وفي التوراة كذلك، فقالوا إن أحبارنا أخبرونا بأنهما يجلدان، فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تعرفون شاباً أبيض أعور يقال له ابن صوريا؟ قالوا: نعم هو أعلم يهودي على وجه الأرض بما في التوراة، قال: فأرسلوا إليه فأحضروه، ففعلوا فأتاهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ابن صوريا؟ قال: نعم، قال: وأنت أعلم اليهود؟ قال: كذلك يزعمون، قال النبي: أترضون به حكماً؟ قالوا: نعم، قال النبي: أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون؛ هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن؟ قال: نعم والذي ذكرتني به لولا خشيت أن تحرقني التوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعترفت، فوثب عليه سفلة اليهود، فقال: أنا خفت إن كذبت ينزل علينا العذاب، ثم سأل النبي عن أشياء كان يعرفها من أعلامه، فأجابه عنها فأسلم، وأمر النبي بالزانيين فرجما عند باب المسجد. هكذا ذكر شيخنا الشيخ الجمل عن أبي السعود ولم نرها فيه، ولكن تقدم لنا أن ابن صوريا أتى بالتوراة وقرأ ما قبل آية الرجم وما بعدها ووضع يده عليها ولم يقرأها، فنبهه عليها عبد الله بن سلام فافتضح هو وأصحابه "، فلعلهما روايتان في إسلامه وعدمه. قوله: (أي يبدلونه) أي بأن يضعوا مكانه غيره. قوله: ﴿ يَقُولُونَ ﴾ أي يهود خيبر، وقوله: (لمن أرسلوهم) أي وهم يقظة، قوله: (الحكم المحرف) أي في الواقع وليس المراد أنهم يقولون لهم ذلك، بل التحريف واقع من الأحبار سراً. قوله: ﴿ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً ﴾ فيه رد على المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعال نفسه. قوله: (ذل بالفضيحة) أي للمنافقين بظهور نفاقهم بين المسلمين، وقوله: (والجزية) أي لليهود. قوله: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾ خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله هم وكرره تأكيداً. قوله: (بضم الحاء وسكونها) أي فهما قراءتان سبعيتان، وسمي سحتاً لأنه يسحت البركة أي يمحقها ويذهبها. قوله: (كالرشا) أي والربا. قوله: ﴿ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ أي بأن تردهم لأهل دينهم. قوله: (منسوخ الخ) وليس في هذه السورة منسوخ إلا هذا، وقوله:﴿ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ ﴾[المائدة: ٢].
قوله: (وهو أصح قولي الشافعي) أي ومقابله التخيير باق وليس بمنسوخ، وهو مشهور مذهب مالك. قوله: (مع مسلم) أي بأن كانت الدعوى بين مسلم وكافر. قوله: (وجب إجماعاً) أي بإجماع الأئمة. قوله: ﴿ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً ﴾ أي لأن الله عاصمك وحافظك من الناس. قوله: ﴿ وَعِنْدَهُمُ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ ٱلتَّوْرَاةُ ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة حال من الواو في ﴿ يُحَكِّمُونَكَ ﴾.
قوله: (استفهام تعجيب) أي إيقاع للمخاطب في العجب. قوله: (بل ما هو أهون عليهم) أي وهو الجلد. قوله: ﴿ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي لا بكتابهم لإعراضهم عنه وتحريفه، ولا بك لعدم الانقياد لك في أحكامك.