قوله: ﴿ وَقَفَّيْنَا ﴾ شروع في ذكر ما يتعلق بفضل عيسى وكتابه، بعد ذلك فضل موسى وكتابه، وقفينا من التفقيه وهي الإتيان في القفا، ومعناه العقب، وقد ضمن قفينا معنى جئنا فلا يقال يلزم عليه أن التضعيف كالهمزة، فمقتضاه أن يتعدّى لمفعولين، بأن يقال مثلاً وقفيناهم عيسى. قوله: (أتبعنا) أي جئنا بعيسى تابعاً لآثارهم. قوله: (أي النبيين) أي المتقدم ذكرهم في قوله يحكم بها النبيون، فالأنبياء الذين بين موسى وعيسى يعملون بالتوراة ويحكمون بها بين الناس، فلما جاء عيسى نسخ العمل بالتوراة، وصار الحكم للإنجيل قوله: ﴿ مُصَدِّقاً ﴾ حال من عيسى، وقوله: ﴿ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ ﴾ بيان لما. قوله: ﴿ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ ﴾ معطوف على قفينا. قوله: ﴿ فِيهِ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ هُدًى ﴾ مبتدأ مؤخر ﴿ وَنُورٌ ﴾ معطوف عليه، والجملة حال من الإنجيل، والمراد بالهدى التوحيد، وبالنور الأحكام، فالعطف مغاير. قوله: ﴿ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ أي معترفاً بأنها من عند الله وإن نسخت أحكامها، لأن الله سبحانه وتعالى كلف أمة كل عصر بأحكام تناسبها، فالنسخ في الأحكام الفرعية لا الأصول، كالتوحيد فلا نسخ فيه، بل ما كان عليه آدم من التوحيد، هو ما عليه باقي الأنبياء. قوله: ﴿ وَهُدًى ﴾ أي ذو هدى، أو يولغ فيه حتى جعل نفس الهدى مبالغة، على حد زيد عدل، وعبر أولاً بقوله فيه هدى وثانياً بقوله وهدى مبالغة. قوله: ﴿ وَمَوْعِظَةً ﴾ أي أحكام يتعظون بها، والحكمة في زيادة الموعظة في الإنجيل دون التوراة، لأن التوراة كان فيها الأحكام الشرعية فقط، وإنما المواعظ كانت في الألواح وقد تكسرت، وأما الإنجيل فهو مشتمل على الأحكام والمواعظ. قوله: ﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ خصهم لأنهم المنتفعون بذلك. قوله: ﴿ وَ ﴾ (قلنا) قدره المفسر إشارة إلى أن الواو حرف عطف، والمعطوف محذوف، وقوله: ﴿ لْيَحْكُمْ ﴾ اللام لام الأمر والفعل مجزوم بها، والجملة مقول القول، والمحذوف معطوف على آتينا، والمعنى آتينا عيسى ابن مريم الإنجيل وأمرناه ومن تبعه بالحكم به. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (بنصب يحكم) أي بأن مضمرة بعد لام كي. قوله: (عطفاً على معمول آتيناه) فيه شيء لأنه إن أراد معموله الذي هو الإنجيل فهو غير ظاهر، وإن أراد معموله الذي هو قوله هدى وموعظة، والمعنى آتيناه الإنجيل لأجل الهدى والموعظة، ولحكم أهل الإنجيل فهو صعب التركيب، والحسن أن قوله ليحكم متعلق بمحذوف، والواو للاستئناف، والمعنى وآتيناه ذلك ليحكم. قوله: ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ عبر بالفسق هنا لأنه خروج عن أمره تعالى وطاعته، لأنه تقدمه أمر وهو قوله ليحكم، وفي الحقيقة الفسق يرجع للظلم لأنه مخالفة الأمر، فتعبيره بالظلم أولاً، وبالفسق ثانياً تفنن.