قوله: ﴿ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ ﴾ شروع في ذكر قبائحهم جميعاً، بعد أن ذكر كل فريق منهم على حدة. قوله: (غلوا) قدره المفسر إشارة إلى أن غير الحق صفة لمصدر محذوف مفعول مطلق لقوله ﴿ تَغْلُواْ ﴾، ويصح أن يكون غير الحق حالاً من فاعل تغلوا. قوله: ﴿ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ﴾ أي وأما الغلوا في الحق كالتشديد على النفس، بأن يصوم النهار ويقوم الليل مثلاً فليس بحرام ولا ضلال. قوله: (بأن تضعوا عيسى) أي تنقضوه عن مرتبته، كقول اليهود إنه ابن زنا. وقوله: (أو ترفعوه فوق حقه) كقول النصارى إنه ابن الله، أو هو الله، فكل من الفريقين قد غلا في دينه غير الحق. قوله: ﴿ أَهْوَآءَ قَوْمٍ ﴾ الأهواء جمع هوى وهو ما تدعو شهوة النفس إليه، وما ذكر في القرآن إلا على وجه الذم، لأنه لا يقال فلان يهوى الخير، وإنما يقال يحبه ويريده، قوله: ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فالخطاب لمن كان في زمنه. قوله: (بغلوهم) الباء سببية أي بسبب غلوهم في عيسى حيث رفعوه جداً ووضعوه جداً. قوله: (وهم أسلافهم) جمع سلف وهو المتقدم عليهم في الزمن وهم اليهود والنصارى. قوله: ﴿ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً ﴾ بهذا الاعتقاد الفاسد. قوله: ﴿ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ السواء في الأصل الوسط، والسبيل الطريق، والمراد الدين الحق، فشبه التمسك بالدين الحق بالمشي في وسط الطريق بجامع أن كلاً سالم من العطب. قوله: (عن طريق الحق) أي وهو دين الإسلام. إن قلت: إنه قد تقدم ضلالهم في قوله: ﴿ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ ﴾ أجيب: بأنه يحمل الضلال الأول على الكفر بموسى وعيسى، والضلال الثاني على الكفر بمحمد. قوله: ﴿ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي اليهود والنصارى، فلعن اليهود على لسان داود، ولعن النصارى على لسان عيسى. قوله: ﴿ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ ﴾ اختلف في المراد باللسان، فقيل هو الجارحة فداود وعيسى صرحا بلعنهم وقيل هو الكتاب، والمعنى أنزل الله لعنتهم في كتاب داود وعيسى وهو الأقرب، وكلام المفسر يفيد الأول. قوله: (فمسخوا قردة) أي وخنازير. وقوله: (وهم أصحاب أيلة) الذين اعتدوا في السبت واصطادوا السمك فيه، وستأتي قصتهم في سورة الأعراف. قوله: (فمسخوا خنازير) أي وقردة، فقد حف من كل نظير ما أثبته في الآخر، وهذا على المشهور من أن كلاً مسخوا قردة خنازير، وقيل أصحاب السبت مسخوا قردة، وأصحاب المائدة مسخوا خنازير وهو ظاهر المفسر. قوله: (وهم أصحاب المائدة) أي وسيأتي أنهم ثلثمائة وثلاثون رجلاً. قوله: ﴿ بِمَا عَصَوْا ﴾ الباء سببية وما مصدرية، وقوله: ﴿ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ معطوف على عصوا، والمعطوف على الصلة صلة، والمعنى ذلك بسبب عصيانهم وكونهم معتدين. قوله: ﴿ عَن ﴾ (معاودة) ﴿ مُّنكَرٍ ﴾ إنما قدر المفسر هذا المضاف لدفع ما أورد بأن المنكر الذي فعل لا معنى للنهي عنه، لأن رفع الواقع محال، فأجاب بأن المعنى النهي عن المعاودة. قوله: (فعلهم) هذا هو المخصوص بالذم.