قوله: ﴿ يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ لما بين سبحانه ما يتعلق بمصالح الدين شرع يبين ما يتعلق بمصالح الدنيا، إشارة إلى أن الإنسان ينبغي له أن يضبط مصالح دينه ودنياه لأنه مكلف بحفظهما. قوله: ﴿ شَهَادَةُ ﴾ مبتدأ، وبينكم مضاف إليه، إذا ظرف بشهادة، وحضر فعل ماض، واحكم مفعول مقدم، والموت فاعل مؤخر، وحين بدل من الظرف قبله، وقوله اثنان خبره. إن قلت: إن الذات لا يخبر بها عن المعنى ولا عكسه. أجيب: بأن الكلام على حذف مضاف، أما في الأول تقديره ذوا شهادة أحدكم اثنان أو في الثاني تقديره شهادة اثنين، وقوله ذوا عدل صفة لاثنان، والعدل هو الذكر البالغ غير مرتكب كبيرة ولا صغيرة خسة وغير مصر على صغيرة غيرها. قوله: (خبر بمعنى الأمر) أي فهي جملة خبري لفظاً إنشائية معنى. قوله: (أي ليشهد) بضم الياء من أشهد الرباعي، وتلك الشهادة يحتمل أن تكون حقيقية، واشتراط العدالة ظاهرة، ويحتمل أن المراد بالشهادة الوصية، أي كونه عدلاً في الوصية، بأن يحسن التصرف فيما ولي عليه، وأما كونهما اثنين فشرط كمال، ولكون سبب النزول كذلك كما سيأتي. قوله: (على الاتساع) أي التسمح والتجوز، وكان حقها أن تضاف إلى الأموال، وإنما أضيفت إلى البين لأن الشهادة على الأموال تمنع فساد البين. قوله: (بدل من إذا) أي فكل منهما ظرف لشهادة، وقوله: (أو ظرف لحضر) أي فقوله إذا ظرف لشهادة، أي فعلى هذا تغاير متعلق الظرفين. قوله: ﴿ أَوْ آخَرَانِ ﴾ معطوف على اثنان، أي فإن لم يجد العدلين لكون رفقته في السفر كفاراً كما هو سبب النزول فليشهد أو يوص آخرين، وحاصله لأجل اتضاح المعنى، أن بزيلا السهمي مولى عمرو بن العاص وقيل بديل بالدال، وعدي بن بداء، وتميماً الداري، سافروا من المدينة إلى الشام بتجارة، فحضرت بزيلا السهمي الوفاة وكان مسلماً، وعدي وتميم نصرانيان، فكتب متاعه في وثيقة، ومن جملة ما كتب في الوثيقة: جام من الفضة قدره ثلثمائة مثقال مخوص بالذهب، وأمرهما أن يسلما متاعه لورثته فوجدوا فيه صحيفة مكتوباً فيها جميع المتاع، ومن جملته جام من فضة، ففتشوا عليه فلم يجدوه، فجاؤوهما فقالوا لهما صاحبنا قد تمرض وأنفق على نفسه، قالا ل، قالوا: فهل باع من متاعه شيئاً، قالا: لا قالوا: فأين الجام؟ قالا: لا علم لنا به، فارتفع أقارب بزيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالواقعة، فأحضر عدياً وتميماً فسألهما عنه فقالا: لا علم لنا به، فنزلت الآية، فأحضرهما بعد صلاة العصر عند المنبر وحلفهما، ثم بعد ذلك ظهر الجام، قيل بمكة مع رجل وقيل بيدهما، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فنزلت الآيتان الأخيرتان، فأحضر رسول الله عمر بن العاص والمطلب بن أبي وداعة وحلفهما، فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا، فأعطي الجام لهما. قوله: ﴿ إِنْ أَنتُمْ ﴾ شرط في المعطوف، وقوله أنتم فاعل بفعل محذوف يفسره قوله: ﴿ ضَرَبْتُمْ ﴾ فجملة ضربتم لا محل لها من الإعراب، لأنها مفسرة للمحذوف، وقوله: ﴿ فَأَصَابَتْكُم ﴾ معطوف على ضربتم. قوله: (صفة آخران) أي وجملة الشرط، وجوابه معترضة بين الصفة والموصوف. قوله: (أي صلاة العصر) أي فأل للعهد لأن وقت العصر معظم في جميع الملل، وإنما كان معظماَ لأنه وقت نزول ملائكة الليل وصعود ملائكة النهار. قوله: ﴿ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ ﴾ شرط في تحليفهما. قوله: (ويقولان) ﴿ لاَ نَشْتَرِي ﴾ الخ، بيان لكيفية يمينهما. قوله: (بأن نحلف به أو نشهد الخ) أشار بذلك إلى قولين: قيل قالوا لا علم لنا به، وقيل قالوا أوصى به لغيركم وأعطيناه له، وسياق الآية في يمينهما يشهد للثاني. قوله: (كاذباً) المناسب كذباً. قوله: ﴿ ﴾ معطوف على لا نشتري. قوله: (بأن وجد عندهما) أي وقيل عند رجل مكي باعاه له بألف درهم كما سيأتي. قوله: (وادعيا أنهما ابتاعاه الخ) إشارة لوجهين في دعواهما، وسيأتي الثالث في قوله ودفعه إلى شخص زعما أن الميت أوصى له به.


الصفحة التالية
Icon