قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ هذا من جملة الأدلة على كونه مستحقاً للحمد، كأنه قيل الوصف بالجميل لله لا لغيره، لأنه خلق السماوات والأرض والظلمات والنور، ولأنه خلقكم الخ. قوله: ﴿ مِّن طِينٍ ﴾ من لابتداء الغاية، أي مبتدئاً نشأتكم من الطين. قوله: (بخلق أبيكم آدم منه) دفع بذلك ما يقال إنهم مخلوقون من النطفة لا من الطين، فأجاب بأن الكلام على حذف مضاف، وذلك الطين الذي خلق منه آدم فيه من كل لون، وعجن بكل ماء، فخلق الله أولاده مختلفة الألوان والأخلاق، فاختلاف الألوان من اختلاف ألوان طينة أبيهم، واختلاف الأخلاق أصلها من آدم، فنسبة الطين لأولاده باعتبار نشأتها منه وسريانها فيهم، وقيل لا حذف في الآية بل كل إنسان مخلوق من الطين، لأنه ورد ما من مولود إلا ويذر على نطفته شيء من تراب تربته، فالنطفة عجبت بذلك التراب، فصدق كل إنسان أنه مخلوق من الطين، وقيل إنه من الطين باعتبار أن النطفة ناشئة عن الغذاء، وهو ناشئ عن الطين. قوله: ﴿ ثُمَّ قَضَىۤ ﴾ يصح أن يكون بمعنى أظهر، فثم للترتيب الزماني، أي فبعد تمام خلقه يظهر أجله للملك الموكل بالرحم، أو بمعنى قدر فثم للترتيب الذكري، لأن للتقدير هو الإرادة المتعلقة بالأجل أزلاً فهي متقدمة على وجوده فالترتيب في الذكر فقط، واعلم أن كل إنسان له أجلان، أجل ينقضي بموته، وأجل ينقضي ببعثه، فابتداء أجل الموت من حين وجوده، وابتداء أجل البعث من حين موته، ومجموع الأجلين محتم لا يزيد ولا ينقص، وما ورد من زيادة العمر للبار الواصل للرحم، ونقصه للعاصي القاطع للرحم، قيل محمول على البركة وعدمها، وقيل بتداخل أحدهما في الآخرة، فالطائع يزداد له في أجل الدنيا وينقص من أجل البرزخ، وبالعكس للعاصي، وبه فسر قوله تعالى﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ﴾[فاطر: ١١] ويؤيد ذلك ما حكى أن داود عليه السلام كان له صديق قد دنا من أجله، فأخبره جبريل بأنه لم يبق من أجله إلا خمسون يوماً، فأخبر داود صديقه بذلك، فتأهب حتى إذا جاء اليوم المتمم للخمسين، أخذ غذاءه وذهب لداود ليودعه، فمر بفقير فأعطاه غذاءه، فنزل جبريل على داود وأخبره بأن الله زاد في عمره خمسين سنة بسبب صدقته في ذلك اليوم، فلما ذهب إليه وجده مسروراً فأخبره بذلك. قوله: ﴿ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ﴾ أجل مبتدأ ومسمى صفته وعنده خبره، وأضيف له سبحانه لأنه لا يعلم انتهاءه أحد غيره، وأما أجل الدنيا فهو في علم الملك، وبانقضائه يظهر للمخلوقات أيضاً. قوله: (لبعثكم) أي ينتهي إليه، وراء ذلك لا نهاية له. قوله: ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ أي ثم بعد ظهور تلك الآيات العظيمة، تشكون في البعث وتنكرونه، وأفاد المفسر أن هذه الآية رد لما أنكروه من البعث، وما قبلها رد للشرك الواقع من الكفار. قوله: (فهو على الإعادة أقدر) هذا بحسب العادة الجارية بأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة بالأولى، وإلا فالكل في قبضة قدرته سواء لا مزية للإعادة على الابتداء، لأنه إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.


الصفحة التالية
Icon