قوله: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ ﴾ المقصود من هذه الآية وما بعدها تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما وقع من الكفار من التكذيب وغيره، وتهديد لهم لعلهم يرجعون، وقد للتحقيق، نظير قوله تعالى﴿ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ ﴾[الأحزاب: ١٨].
قوله: ﴿ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ﴾ بكسر الهمزة لدخول اللام المعلقة لنعلم عن العمل في حيزها، قال ابن مالك: وكسروا من بعد فعل علقا   باللام كاعلم إنه لذو تبقىوإن حرف توكيد، والهاء اسمها، واللام لام الابتداء زحلقت للخبر لئلا يتوالى حرفاً تأكيد، ويحزنك خبرها.
﴿ ٱلَّذِي ﴾ فاعل يحزن و ﴿ يَقُولُونَ ﴾ صلتها، والعائد محذوف تقديره يقولونه، والجملة من إن واسمها وخبرها في محل نصب سدت مسد مفعولي نعلم، فإن التعليق إبطال العمل لفظاً لا محلاً كما هو مقرر. قوله: ﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ﴾ الفاء للتعليل، والمعنى لا تحزن من تكذيبهم لك، واصبر ولا تكن في ضيق مما يمكرون، فإنهم لا يكذبونك في الباطن، بل ويعتقدون صدقك، وإنما تكذيبهم عناد وجحود. قوله: (في السر) دفع بذلك ما يقال إن بين ما هنا وبين قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ تنافياً، وحاصل الجواب أن المنفي التكذيب في السر، والمثبت التكذيب في العلانية. قوله: (وفي قراءة بالتخفيف) أي مع ضم الياء وسكون الكاف وهي سبعية أيضاً. قوله: (أي لا ينسبونك إلى الكذب) هذا يناسب كلاً من القراءتين، والمعنى لا يعتقدون تكذيبك باطناً، ولذا قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به. قوله: (وضعه موضع المضمر) أي زيادة في التقبيح والتشنيع عليهم. قوله: ﴿ يَجْحَدُونَ ﴾ الجحد الإنكار مع العلم، والمعنى أنهم أنكروا آيات الله مع علمهم بأن ما جاء به صدق. قوله: (يكذبونك) أي في العلانية قوله: (فيه تسلية) وذلك لأن البلوى إذا عمت هانت. قوله: ﴿ فَصَبَرُواْ ﴾ الفاء سببية، وصبروا معطوف على ﴿ كُذِّبَتْ ﴾.
قوله: ﴿ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ ﴾ متعلق بصبروا، والمعنى صبروا على تكذيبهم. قوله: ﴿ وَأُوذُواْ ﴾ يصح عطفه على كذبت، والمعنى كذبت وأوذوا فصيروا، والمعنى صبروا على تكذيبهم وإيذائهم. قوله: ﴿ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ غاية في الصبر، والمعنى غاية صرهم نصر الله لهم. قوله: (مواعيده) أي مواعيد الله بالنصر، قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ ﴾[الصافات: ١٧١-١٧٢]، وقال تعالى:﴿ كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ ﴾[المجادلة: ٢١].
قوله: ﴿ وَلَقدْ جَآءَكَ ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، وجاء في فعل ماض، والفاعل محذوف يعمل من السياق قدره المفسر بقوله ما يسكن به قلبك، وقوله ﴿ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ بيان للمحذوف، ويحتمل أن من زائدة على مذهب الأخفش ونبأ المرسلين فاعل، ويحتمل أن من اسم بمعنى بعض هي الفاعل، والمعنى وقد جاءك بعض أخبار المرسلين الذين كذبوا أوذوا فصبروا، فتسل ولا تحزن فإن الله ناصرك كما نصرهم.


الصفحة التالية
Icon