قوله: ﴿ يَابَنِيۤ ءَادَمَ ﴾ لما ذكرهم نعمة اللباس، نبههم على أن الشيطان حسود وعدو لهم، كما أنه عدو لأبيهم. قوله: ﴿ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ وهو نهي له صورة، وفي الحقيقة نهي لبني آدم عن الإصغاء لفتنته واتباعه، فليس المراد النهي عن تسلطه، إذ لا قدرة لمخلوق على منع ذلك، لأنه قضاء مبرم، بل المراد النهي عن الميل إليه، وإلى ذلك أشار المفسر بقوله: (أي لا تتبعوه فتفتنوا). قوله: ﴿ كَمَآ أَخْرَجَ ﴾ الكاف بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف، وما مصدرية تسبك مع ما بعدها بمصدر، والتقدير فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم، والجامع بينهما زوال النعم في كل. قوله: ﴿ أَبَوَيْكُمْ ﴾ أي آدم وحواء. قوله: (بفتنته) الباء سببية. قوله: (حال) أي من ﴿ أَبَوَيْكُمْ ﴾ أو من ضمير ﴿ أَخْرَجَ ﴾ وكل صحيح، فإن الجملة مشتملة على ضمير الأبوين وعلى ضمير الشيطان، وإسناد النزع إليه باعتبار كونه سبباً فيه، والنزع أخذ الشيء بسرعة وقوة، ومنه قوله تعالى: ﴿ ﴾، وفيه إشارة إلى أن من اتبع الشيطان، تزول نعمة بسرعة وقوة. وأتى بالمضارع حكاية للحال الماضية استحضاراً للصورة العجيبة. قوله: ﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ ﴾ تعليل للتحرز من الشيطان اللازم للنهي، كأنه قيل: فاحذروه لأنه يراكم الخ. قوله: ﴿ وَقَبِيلُهُ ﴾ معطوف على الضمير المتصل في ﴿ يَرَاكُمْ ﴾ وأتى بالضمير المنفصل، وإن كان قد حصل الفصل بالكاف زيادة في الفصاحة، والقبيل اسم لما اجتمع من شتات الخلق، ولذلك فسره بالجنود، والقبيلة الجماعة من أب واحد. قوله: ﴿ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ﴾ ﴿ مِنْ ﴾ ابتدائية، و ﴿ حَيْثُ ﴾ ظرف مكان، التقدير إنه يراكم رؤية مبتدأة من مكان لا ترونهم فيه. قوله: (للطافة أجسادهم) فأجسامهم كالهواء، نعلمه ونتحققه ولا نراه للطافته وعدم تلونه، هذا وجه عدم رؤيتنا لهم. وأما وجه رؤيتهم لنا فكثافة أجسادنا وتلوننا، وأما رؤية بعضهم لبعض فحاصلة لقوة في أبصارهم. وهذا حيث كانوا بصورتهم الأصلية، وأما إذا تصوروا بغيرها فتراهم، لأن الله جعل لهم قدرة على التشكيل بالصورة الجميلة أو الخسيسة، وتحكم عليهم الصورة كما في الأحاديث الصحيحة. فالآية ليست على عمومها والفرق بينهم وبين الملائكة، أن الملائكة لا يتشكلون إلا في الصورة الجميلة ولا تحكم عليهم بخلاف الجن وقد ورد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وجعلت صدر بني آدم مساكن لهم، إلا من عصمه الله، كما قال تعالى:﴿ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ﴾[الناس: ٥] فهم يرون بني آدم، وبنو آدم لا يرونهم. قال مجاهد: قال إبليس جعل لنا أربع نرى ولا نرى، ونخرج من تحت الثرى، ويعود شيخنا شاباً. وقال مالك ابن دينار: إن عدواً يراك ولا تراه لشديد المجاهدة، إلا من عصمه الله. قوله: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ ﴾ أي صيرناهم أعواناً لغير المؤمنين ومكناهم من إغوائهم. فتحرزوا منهم. قوله: ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ﴾ هذه الآية نزلت في كفار مكة، كانوا يطوفون عراة رجالهم بالنهار، ونساؤهم بالليل، فكان أحدهم إذا قدم حاجاً أ معتمراً يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد عصيت فيه ربي، فيقول من يعيرني إزاراً. فإن وجد وإلا طاف عرياناً، وإذا فرض وطاف في ثيابه نفسه، ألقاها إذا قضى طوافه وحرمها على نفسه. قوله: ﴿ قَالُواْ وَجَدْنَا ﴾ الخ أي محتجين بهذين الأمرين: تقليد الآباء، والافتراء على الله. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾ أي رد لمقالتهم الثانية، وترك الأولى لوضوح فسادها. قوله: ﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ أي لأنكم لم تسمعوه مشافهة، ولم تأخذوه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين الله وخلقه. قوله: (استفهام إنكاري) أي وتوبيخ وفيه معنى النهي. قوله: (معطوف على معنى بالقسط) دفع بذلك ما يقال إن قوله: ﴿ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ ﴾ خبر. وقوله: ﴿ وَأَقِيمُواْ ﴾ إنشاء ولا يصح عطف الإنشاء على الخبر. فأجاب بجوابين: الأول أن أقيموا معطوف على المعنى، والتقدير قال أقسطوا وأقيموا. الثاني أن الكلام فيه حذف، والتقدير قل أمر ربي بالقسط فاقبلوا وأقيموا. قوله: (أي أخلصوا له سجودكم) أي صلاتكم، ففيه تسمية الكل باسم أشرف أجزائه، لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. قوله: ﴿ وَٱدْعُوهُ ﴾ عطف عام. قوله: ﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ كلام مستأنف مسوق للرد على منكري البعث أن يعيدكم أحياء بالأرواح والأجساد بعينها. قوله: ﴿ فَرِيقاً هَدَىٰ ﴾ فريقاً معمول لهدى، وفريقاً الثاني معمول لمقدر من قبيل الاشتغال موافق في المعنى، والتقدير وأضل فريقاً حق عليهم الضلالة، أي ثبت في الأزل ضلالهم. قوله: ﴿ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ﴾ علة لقوله: ﴿ حَقَّ عَلَيْهِمُ ﴾ قوله: ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ أي يظنون أنهم على هدى، والحال أنه ليسوا كذلك.