قوله: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾ أي خلقناكم في الجنة مطهرين منه، لا أنهم دخلوا الجنة به ثم نزع، وحكمه نزع الغل من صدور أهل الجنة، أن كل أحد منهم أعطي فوق أمانيه أضعافاً مضاعفة. قوله: (حقد كان بينهم في الدنيا) الحقد هو ضيق الصدر من الغير، وهو رأس الحسد، وهو معصية قلبية تجب التوبة منه، ومجاهدة النفس لتخلص منه، ومن هنا افترق كبار الصالحين من صغارهم. واعلم أن الناس ثلاثة أقسام: قسم خلصت قلوبهم من الأمراض الباطنية، فهم في الدنيا كأهل الجنة في الجنة، يحبون للناس ما يحبونه لأنفسهم، وهم الأنبياء ومن كان على قدمهم، وقسم لم تخلص قلوبهم، غير أنهم لم يرضوا لأنفسهم بذلك، ويلومون أنفسهم على ما في قلوبهم، وهؤلاء المجاهدون لأنفسهم، ولا يؤاخذون بذلك حينئذ، وقسم لم تخلص قلوبهم، وهم راضون لأنفسهم بذلك، وهؤلاء فساق يجب عليهم مجاهدة نفوسهم في تخليصهم من تلك الآفات. قوله: (تحت قصورهم) أي بجانب جدارها، وليس المراد أنها تجري من تحت الجدار. قوله: ﴿ ٱلَّذِي هَدَانَا ﴾ أي أرشدنا ووفقنا. قوله: (العمل الذي هذا جزاؤه) كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى لعمل هذا جزاؤه، وفي أخرى لهذا العمل هذا جزاؤه. قوله: ﴿ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ ﴾ بالواو ودنها قراءتان سبعيتان، والجملة إما مستأنفة أو حالية على كل. قوله: (لدلالة ما قبله عليه) أي وهو قوله: ﴿ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ ﴾ والتقدير ولولا هداية الله لنا موجودة ما اهتدينا. قوله: ﴿ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ ﴾ هذا إقسام من أهل الجنة شكراً لنعم الله وتحدثنا بها، والمعنى أن ما أخبرونا به في الدنيا من الثواب حق وصدق لمشاهدتنا له عياناً. قوله: ﴿ وَنُودُوۤاْ ﴾ يحتمل أن المنادي هو الله ويحتمل أنه الملائكة. قوله: (مخففة) أي واسمها ضمير الشأن، وخبرها الجملة بعدها. قوله: (أو مفسرة) أي لأنه تقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه، وهو قوله: ﴿ وَنُودُوۤاْ ﴾.
قوله: (في المواضع الخمسة) أي من هنا إلى قوله: ﴿ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ ﴾.
قوله: ﴿ تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ ﴾ اسم الإشارة مبتدأ، والجنة خبر، وقوله: ﴿ أُورِثْتُمُوهَا ﴾ حال من الجنة، أو الجنة نعت لاسم الإشارة وأورثتموها خبره، وأتى باسم الإشارة البعيدة إشارة لعظم رتبتها ومكانتها على حد ذلك الكتاب. قوله: ﴿ أُورِثْتُمُوهَا ﴾ أي من الكفار، لأن الله خلق في الجنة منازل للكفار بتقدير إيمانهم، فمن لم يؤمن منهم جعل منزلة لأهل الجنة فكل واحد من أهل الجنة يأخذ منازل تسعمائة وتسعة وتسعين من أهل النار تضم لمنزله، فيجتمع له ألف منزل، فلما كان الغالب منها ميراثاً أطلق على جميعها اسم الميراث، وحكمة إطلاق اسم الارث عليها، أن الكفار سماهم الله أمواتاً بقوله:﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ ﴾[النحل: ٢١] المؤمنين أحياء، ومن المعلوم أن الحي يرث الميت. قوله: ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ الباء سببية، وما مصدرية، أي بسبب عملكم. إن قلت ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لن يدخل الجنة أحد بعمله، قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته "أجيب بأن الآية محمولة على العمل المصحوب بالفضل، والحديث محمول على العمل المجرد عنه. قوله: ﴿ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ ﴾ إن قلت: إذا كانت الجنة في السماء والنار في الأرض، فكيف يسمعون النداء؟ أجيب: بأن القيامة خارقة للعادة، فلا مانع من وصول النداء لهم، وهذا النداء من كل فرد من أفرد أهل الجنة، لكل فرد من أفراد أهل النار، لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة على الآحاد. قوله: ﴿ مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً ﴾ تسميته وعداً مشاكلة، وإلا فالاخبار بالشر إيعاد ولا وعد، وقدر المفسر الكاف إشارة إلى أن مفعول وعد محذوف، وقوله: (من العقاب) بيان لما. قوله: (نادى مناد) قيل هو إسرافيل، وقيل غيره من الملائكة. قوله: (أسمعهم) تفسير لقوله: ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾.
قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ ﴾ نعت للظالمين. قوله: (معوجة) أي مائلة عن الحق، والمعنى أنهم يغيرون دين الله وطريقته التي شرع لعباده. قوله: (حاجز) أي يمنع وصول كل منهما للآخر. قوله: (استوت حسناتهم وسيئاتهم) هذا قول من ثلاثة عشر قولاً، وقيل: أولاد المشركين الذين ماتوا صغاراً، وقيل: أناس خرجوا للغزو في سبيل الله من غير إذن آبائهم ثم قتلوا، وقيل: ناس بروا آباءهم دون أمهاتهم وبالعكس، وقيل إنهم عدول القيامة يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة. قوله: (كما في الحديث) أي وهو أن الله يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الأعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم:﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾[الأعراف: ٤٦] سلام عليكم، وإذا نظروا إلى أهل النار قالوا:﴿ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾[الأعراف: ٤٧] فهناك يقول الله تعالى:﴿ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾[الأعراف: ٤٦] فكأن الطمع دخولاً.