قوله: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ ﴾ أي بعد مضي ثلاثة أيام، والتعقيب ظاهر، لأن الثلاثة أيام مقدمات من الهلاك. قوله: (والصيحة من السماء) أشار بذلك إلى أن في الآية اكتفاء، لأن عذابهم كان بهما معاً. قوله: ﴿ فِي دَارِهِمْ ﴾ أي أرضهم، فالمراد بهم الجنس. قوله: ﴿ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ ﴾ أي بعد أن هلكوا وماتوا توبيخاً،" كما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الكفار من قتلى بدر حين ألقوا في القليب، فقال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أقواماً قد جيفوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنت بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون، وقيل: خاطبهم قبل موتهم وقت ظهور العلامات فيهم "، عليه: يكون في الآية تقديم وتأخير تقديره: فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين، فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين. قوله: ﴿ وَ ﴾ (اذكر) خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقدره ولم يقدر أرسلنا مع أنه يكون موافقاً لما قبله وما بعده، لأنه يوهم أن وقت الإرسال قال لقمه ما ذكر، مع أنه ليس كذلك، بل أمرهم أولاً بالتوحيد، ثم بين لهم فروع شريعته، ولوط بن هاران أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، وكان إبراهيم ولوط ببابل بالعراق، فهاجر إلى الشام فنزل إبراهيم بأر فلسطين، ونزل لوط بالأردن في قرية بالشام، فأرسله الله إلى أهل سذوم، بالذال المعجمة على وزن رسول، وهي بلد بحمص. قوله: ﴿ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ ﴾ استفهام توبيخ وتقريع لأنها من أعظم الفواحش، ولذا كان حدها عند أبي حنيفة الرمي من شاهق جبل، وعند مالك الرجم مطلقاً فاعلاً أو مفعولاً أحصنا أو لم يحصنا. قوله: ﴿ مَا سَبَقَكُمْ ﴾ الخ تأكيد للإنكار عليهم، لأن مباشرة القبح قبيحة، واختراعه أقبح. قوله: (الإنس والجن) أي وجميع البهائم، بل هذه الفعلة لم توجد في أمة إلا في قوم لوط وفساق هذه الأمة المحمدية. وكان قوم لوط يتباهوان بالضراط في المجالس أيضاً، كما قال تعالى:﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ ﴾[العنكبوت: ٢٩] وهو فاحشة عظيمة أيضاً. قوله: (بتحقيق الهمزتين) حاصل ما أفاده المفسر، أن القراءات أربع: تحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية من غير إدخال ألف بين الهمزتين إو بإدخالها، ولكن الحق أن إدخال الألف بين الهمزتين المحققتين غير سبعية، وإنما هي لهشام، وبقي قراءة سبعية أيضاً وهي بهمزة واحدة على الخبر المستأنف بيان لتلك الفاحشة، وهي لنافع وحفص عن عاصم، فتحصل أن القراءات خمس، أربع سبعية وواحدة غير سبعية. قوله: ﴿ شَهْوَةً ﴾ أي لأجل الشهوة. قوله: ﴿ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ ﴾ إما حال من: ﴿ ٱلرِّجَالَ ﴾ أو من الواو في تأتون، وحكمه التوبيخ على هذا الفعل القبيح، أن الله تعالى خلق الإنسان، وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا، وجعل النساء محلاً للشهوة والنسل، فإذا تركهن الإنسان، فقد عدل ما أحل له وتجاوز الحد، لوضعه الشيء في غير محله، لأن الأدبار ليست محلاً للولادة التي هي المقصودة بالذات.