قوله: ﴿ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ ﴾ أي بمراجعة هارون له، حيث ألان له الكلام واعتذر له، وفي الكلام استعارة بالكناية، حيث شب الغضب بأمير قام على موسى، فأمره بالقاء الألواح والأخذ برأس أخيه، وطوى ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه وهو السكوت، فإثباته تخييل، وفي السكوت استعارة تبعية، حيث شبه السكون بالسكوت، واستعير اسم المشبه به للمشبه، واشتق من السكوت سكت بمعنى سكن، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، وما وقع من موسى عليه السلام من الغضب ليس ناشئاً عن سوء خلق وعدم حلم، وإنما هو غضب لانتهاك حرمات الله ولا ينافي الحلم، قال بعضهم: إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهلوما قيل إن موسى لما كان قيل الحلم، أمره الله بإلانة الكلام لفرعون حيث قال له:﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾[طه: ٤٤]، ومحمد عليه السلام لما كان كامل الحلم، أمره الله بالاغلاظ على الكفار حيث قال:﴿ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾[التوبة: ٧٣، التحريم: ٩] فهو باطل لا أصل له، وإنما الذي يقال إن كلاً كامل في الحلم، وكلاً إما مأمور بإلانة أو لا، فإذا تقرر الدين وثبت وأمروا بالجهاد، أمروا بالاغلاظ، هذا هو الحق، ومن نفى عن أحد منهم الحلم فقد كفر. قوله: ﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾ أي كتابتها وتسميتها نسخة، باعتبار كتابتها من اللوح المحفوظ، وهذا على ما قاله، زاده من أن الألواح لم تنكسر، وأما على ما قاله ابن عباس من أنها تكسرت، فصام موسى أربعين يوماً فردت عليه في لوحين، فمعنى قوله: ﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾ أي ما نسخ من الألواح التي كسرت في ألواح أخر، فتسميتها نسخة ظاهرة لأن نسخ الشيء نقله. قوله: ﴿ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ أي وأما لغيرهم فليس فيه هدى ورحمة، وإنما هو وبال وخسران، فهي نظير القرآن مع المؤمن والمنافق، قال تعالى:﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾[التوبة: ١٢٤-١٢٥].
قوله: (وأدخل اللازم على المفعول لتقدمه) أي فضعف عن العمل فقوي باللام، والمعنى الذين يخافون ربهم، أي يخافون عقابه. قوله: (أي من قومه) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ مِن قَوْمِهِ ﴾ مفعول ثان مقدم منصوب بنزع الخافض، والمفعول الأول قوله: ﴿ سَبْعِينَ ﴾.