قوله: ﴿ وَأَذَانٌ ﴾ معطوف على قوله:﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾[التوبة: ١] عطف مفصل على مجمل. قوله: (اعلام) أي فالمراد الأذان اللغوي لا الشرعي الذي هو الإعلام بألفاظ مخصوصة. قوله: (يوم النحر) إنما سمي يوم الحج الأكبر لأن معظم أفعال الحج يكون فيه، كالطواف والرمي والنحر والحلق، واحترز بالحج الأكبر عن العمرة، فهي الحج الأصغر، لأن أعمالها أقل من أعمال الحج، لأنه يزيد عليها بامور: كالرمي والمبيت والوقوف. قوله: ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ ﴾ إلخ، هذه الجملة خبر عن قوله: ﴿ وَأَذَانٌ ﴾.
وقوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ ﴾ ظرف للأذان، والمعنى وإعلام من الله ورسوله إلى الناس، كائن في يوم الحج الأكبر، بأن الله بريء إلخ. قوله: ﴿ وَرَسُولُهُ ﴾ القراءة السبعة بل العشرة، على الرفع عطف على الضمير المستتر في بريء، ووجد الفاصل وهو قوله: ﴿ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ ويصح أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره وبريء منهم أيضاً، وقرىء شاذاً بالنصب، ووجهت بوجهين: الأول أن الواو بمعنى مع، ورسوله مفعول معه، الثاني أنه معطوف على اسم أن وهو لفظ الجلالة، وقرىء شاذاً أيضاً بالجر، ووجهت بأن الواو للقسم، واستبعدت تلك القراءة لإيهام عطفه على المشركين، حتى أن بعض سمع رجلاً يقرأ بها، فقال الأعرابي: إن كان الله بريئاً من رسول فأنا بريء منه، فلببه القارىء إلى عمر، فحكى الأعرابي الواقعة، فأمر عمر بتعليم العربية، وتحكى هذه أيضاً عن علي وأبي الأسود الدؤلي. قوله: (وقد بعث) إلخ حاصل ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً يوم الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، ثم عدت بنو بكر على خزاعة، وأعانتهم قريش بالسلاح، فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خظاعة، ونقضوا عهدهم، خرج عمرو بن سلام الخزاعي، ووقف على رسول الله وأخبره بالخبر، فقال رسول الله: لا نصرت إن لم أنصرك، وتجهز إلى مكة ففتحها سنة ثمان من الهجرة، فلما كان سنة تسع، أراد رسول الله أن يحج، فقيل إن المشركين يحضرون ويطوفون بالبيت عراة، فقال لا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك، فبعث أبا بكر تلك السنة أميراً على الموسم ليقيم للناس الحج، وبعث معه أربعين آية من صدر براءة، آخرها﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة: ٣٣] ثم بعث بعده علياً على ناقته العضباء، ليقرأ على الناس صدر براءة، فلحق أبا بكر بالعرج - بفتح العين وسكون الراء، قرية جامعة بينها وبين المدينة ستة وسبعون ميلاً - فلما تلاقيا، ظن أبو بكر أنه معزول، فرجع إلى رسول الله فقال: يا رسول أنزل في شأني شيء؟ فقال لا، ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، أما ترضى أبا بكر أنك كنت معي في الغار وأنك معي على الحوض، فقال: بلى يا رسول الله، فسار أبو بكر أميراً على الحاج، وعلي بن أبي طالب يؤذن ببراءة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم، قام أبو بكر فخطب الناس، وحدثهم على مناسكهم، وأقام للناس الحج، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي فأذن بما أمر به، وهو لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي عهد فهو منقوض، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا في الحج، ثم حج رسول الله سنة عشر حجة الوداع، إذا علمت ذلك، وفي ذلك قال المفسرون: لما خرج رسول الله إلى تبوك، فكان المنافقون يرجفون الأراجيف، وجعل المشركون ينقضون عهوداً كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله عز وجل بنقض عهودهم، وذلك قوله تعالى:﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً ﴾[الأنفال: ٥٨] الآية، ففعل رسول الله ما أمر به، ونبذ لهم عهودهم. قوله: (بهذه الآيات) أي وهي ثلاثون أو أربعون آية آخرها﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة: ٣٣] قوله: (وأن لا يحج) أي وبأن لا يحج، فهو وما بعده من جملة ما أذن به. قوله: ﴿ فَهُوَ ﴾ أي التوبة المفهومة من قوله: ﴿ تُبْتُمْ ﴾.
قوله: ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ أي من بقائكم على الكفر الذي هو خير في زعمكم، أو اسم التفضيل ليس على بابه. قوله: (أخبر) أشار بذلك إلى أن المراد بالبشارة مطلق الإخبار، وعبر عنه بالبشارة تهكماً بهم.