قوله: ﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم ﴾ اختلف في جواب لما، فقيل هو قوله: ﴿ مَّا كَانَ يُغْنِي ﴾ إلخ، والمعنى أن دخولهم من أبواب متفرقة لا يدفع عنهم مما قدره الله شيئاً، بل الدخول متفرقاً كالدخول مجتمعاً، بالنسبة لقضاء الله، وقيل هو قوله: ﴿ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾ وهو جواب لما الثانية أيضاً، لأن المقصود بدخول المدينة الدخول على يوسف، والمقصود به إيواء الأخ، فلما الثانية مرتبة على لما الأولى، فصلح أن يكون جوابهما واحداً. قوله: ﴿ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم ﴾ أي من أبواب متفرقة. قوله: ﴿ مَّا كَانَ يُغْنِي ﴾ أي يدفع عنهم التفرق، ففاعل يغني ضمير يعود على التفرق. قوله: ﴿ إِلاَّ حَاجَةً ﴾ استثناء منقطع ولذا فسره بلكن، والمعنى لم يكن تفرقهم دافعاً عنهم من قدر الله شيئاً، لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها، وهي دفع العين عنهم، التي كانت تصيبهم عند دخولهم مجتمعين، فإن التفرق في الدخول دفعها بإرادة الل. قوله: (لتعليمنا إياه) أشار بذلك إلى أن ما مصدية. قوله: ﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ﴾ أي منزله ومحل حكمه، وهذا الدخول غير الدخول السابق، فإن المراد بد دخول المدينة، قال المفسرون: لما دخلوا عليه قالوا أيها الملك، هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به فقد جئناك به، فقال أحسنتم وأصبتم، ستجدون ذلك عندي، ثم أنزلهم وأكرم نزلهم، ثم أضافهم وأجلس كل اثنين على مائدة، فبقي بنيامين وحيداً، فبكى وقال: لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه، فقال لهم يوسف: لقد بقي هذا وحده، فقالوا: كان له أخ فهلك، قال لهم: فأنا اجلسه معي، فأخذه فأجلسه معه على المائدة وجعل يؤاكله، فلما دخل الليل، أمر لهم بمثل ذلك من الفراش وقال: كل اثنين ينامان على فراش واحد واحد، فبقي بنيامين وحده، فقال يوسف: هذا ينام عندي على فراشي، فقام بنيامين مع يوسف على فراشه، فجعل يوسف يضمه إليه ويشم ريح أبيه منه حتى أصبح، فلما أصبح قال لهم: إني أرى هذا الرجل وحيداً ليس معه ثان، فأنا أضمه إلي فيكون معي في منزلي، ثم إنه أنزلهم وأجرى لهم الطعام، فقال روبيل: ما رأينا مثل هذا، فلما خلا به قال له يوسف: ما اسمك؟ قال: بنيامين، قال: فهل لك من ولد؟ قال: عشر بنين، قال: فهل لك من أخ لأم؟ قال: كان لي أخ فهلك، قال يوسف: أتحب أن أكون أخاك بدل من أخيك الهالك؟ قال بنيامين: ومن يجد أخاً مثلك أيها الملك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف عليه السلام، وقام إليه وعانقه وقال: ﴿ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ ﴾ إلخ، وقال كعب: لما قال له يوسف: إني أنا أخوك، قال بنيامين: أنا لا أفارقك، فقال يوسف: قد علمت اغتمام والدي بي، فإذا حبستك عندي ازداد غمه، ولا يمكنني هذا إلا أن أشهرك بأمر فظيع، وأنسبك إلى ما لا يحمد، فقال: لا أبالي، افعل ما بدا لك فإني لا أفارقك، قال يوسف: فإني أدس صاعي في رحلك، ثم أنادي عليك بالسرقة، لأحتال في ردك بعد إطلاقك، قال: فافعل ما شئت، فذلك قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ ﴾ عبر هنا بالفاء، إشارة إلى طلب سرعة سيرهم وذهابهم لبلادهم بخلاف المرة الأولى، فإن المطلوب طول إقامتهم ليتعرف حالهم. قوله: (هي صاع من ذهب) وكان يشرب فيه الملك فسمي سقاية باعتبار أول حاله، وصاعاً باعتبار آخر أمره، لأن الصاع آلة للكيل. قوله: (مرصع بالجواهر) أي مزين ومحلى بها. قوله: (بعد انفصالهم عن مجلس يوسف) أي خروجهم وسيرهم، بل قيل: إنهم وصلوا إلى بلبيس وردوا من عندها. قوله: ﴿ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ ﴾ هي في الأصل كل ما يحمل عليه من إبل وحمير، ويقال أطلقت وأريد أصحابها فهو مجاز علاقته المجاورة. قوله: ﴿ وَأَقْبَلُواْ ﴾ قدره المفسر (قد) إشارة إلى أن الجملة حالية، والمعنى أنهم التفتوا إليهم وخاطبوهم بما ذكر. قوله: ﴿ مَّاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ أي أي شيء ضاع منكم.


الصفحة التالية
Icon