قوله: ﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ ﴾ مرتب على ما ذكروه له. قوله: (الألف بدل من ياء الإضافة) أي والأصل يا أسفي، بكسر الفاء وفتح الياء، قلبت الكسرة فتحة، ثم تحركت الياء، وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، فيقال في إعرابه أسفى منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفاً. قوله: ﴿ عَلَى يُوسُفَ ﴾ إنما يجدد حزنه على يوسف عند إخباره بواقعة بنيامين، لأن الحزن قديم إذا صادفه حزن آخر، كان أوجع للقلب، وأعظم لهيجان الحزن، وليس في هذا إظهار جزع، بل هو شكوى لله لا للخلق، فمعنى يا أسفي، أشكو إلى الله شدة حزني، فلا ينافي قوله:﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾[يوسف: ٨٣].
قوله: ﴿ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ ﴾ قيل معناه عمي فلم يبصر شيئاً ست سنين، وهذا بناء على جواز مثل هذا على الأنبياء بعد التبليغ واشتهار الأمر، وقيل معناه ضعف بصره من كثرة البكاء، واتصال الدمع بعضه ببعض، ولم يكن عمي حقيقة، بل من كثرة البكاء صار على إنسان العين غشاوة مانعة له من النظر، ولم يذهب أصلاً، وهذا هو الأقرب. قوله: ﴿ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ أي مكظوم، ممتلىء من الحزن ممسك عليه، لا يذكره لأحد، قال قتادة: الكظيم الذي برد حزنه في جوفه، ولم يقل إلا خيراً. قوله: ﴿ قَالُواْ تَاللهِ ﴾ أي تسلية له على ما نزل به من الحزن العظيم. إن قلت: كيف حلفوا على شيء لا يعلمون حقيقته؟ أجيب: بأنهم حلفوا على غلبة الظن، وهي بمنزلة اليقين، فهو من لغو اليمين الذي لا يؤاخذ به العبد. قوله: ﴿ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ ﴾ إلخ، إنما قدر المفسر (لا) لأن القسم المثبت جوابه مؤكد بالنون أو اللام عند الكوفيين، أو بهما عند البصريين، فلما رأينا الجواب هنا خالياً منهما، علمنا أن القسم على النفي بمعنى أن، جوابه منفي لا مثبت، فلو قيل: والله أحبك كان المراد لا أحبك، وهو من قبيل التورية، ومن ذلك إذا قال: والله أجيئك غداً في فيحنث في المجيء، بخلاف ما إذا قال لأجيئنك فيحنث بعدمه. قوله: ﴿ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً ﴾ هو من باب تعب، يقال: حرض حرضاً أشرف على الهلاك. قوله: (وغيره) أي المثنى والمجموع والمذكر والمؤنث.