قوله: (للإنسان) أي مؤمن أو كافر، وهذا من مزيد التكرمة للنوع الإنساني، وإلا فهو الحافظ لكل شيء. قوله: (ملائكة) قيل: خمسة بالليل وخمسة بالنهار، واحد على اليمين يكتب الحسنات، وواحد على الشمال يكتب السيئات، وواحد موكل بناصيته، فإذا تواضع رفعه، وإذا تكبر وضعه، وواحد موكل بعينيه يحفظهما من الأذى، وواحد موكل بفمه يمنع عنه الهوام، والصحيح أنهم عشرة بالليل وعشرة بالنهار، كما في شرح الجوهرة نقلاً عن حديث البخاري، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين كانوا من قبل، فيسألهم الله ويقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون، ولا يفارقون الشخص أبداً إلى الممات، فإذا مات فقد فرغ حفظهم له، وهم واحد على يمينه، وآخر على شماله، وآخر أمامه، وآخر آخذ بناصيته، فإن تواضع رفعه، وإن تكبر خفضه، وهؤلاء العشرة غير رقيب وعتيد، كاتبي الحسنات والسيئات على المعتمد، وحكمة إجابة الملائكة بقولهم: تركناهم وهم يصلون، ولم يذكروا الكافر والتارك للصلاة، أن العمل الصالح يرفع لأهل السماء، فيتشرف بنو آدم على العموم، وتنزل عليهم الرحمة، وتكثر أرزاقهم، لأن الرحمة تعم الطائع والعاصي، فأخبار الملائكة بطاعة بني آدم على العموم لاستجلاب الرحمة لهم من عالم الغيب. قوله: ﴿ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ﴾ اختلف المفسرون في من، فقيل بمعنى الباء والمحفوظ منه محذوف، والتقدير يحفظونه بأمر الله من الحوادث، وقيل إن من على حقيقتها، والمحفوظ منه مذكور بقوله: ﴿ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ﴾ أي يحفظونه من الجن والحوادث وغير ذلك، إذا علمت ذلك، فالمفسر قد أفاد القول الأول. قوله: (من الحالة الجميلة) أي وهي الطاعة، والمعنى أنها جرت عادة الله، أنه لا يقطع نعمة عن قوم، إلا إذا بدلوا أحوالهم الجميلة بأحوال قبيحة وبمعنى هذه الآية قوله تعالى:﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الأنفال: ٥٣].
وقوله عليه الصلاة والسلام:" إذا رأيت قسوة في قلبك، وحرماناً في رزقك، ووهناً في بدنك، فاعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك "فالنعم تأتي من الله بلا سبب، وسلبها يكون بسبب المعاصي. قوله: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا ﴾ إذا شرطية وجوابها قوله: ﴿ فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ﴾ والعامل فيها محذوف لدلالة الجواب عليه، تقديره لم يرد أو واقع، والمعنى متى سبق في علم الله نزول بلاء بقوم، فلا يقدر على دفعه أحد من الملائكة ولا من غيرهم، إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول: لو كانت الأولياء موجودين، لما نزل علينا بلاء. قوله: ﴿ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ أي ناصر يدفعه، قال تعالى:﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ ﴾[النجم: ٢٦] فلا دافع لما قضاه، ولا راد لما قدره.


الصفحة التالية
Icon