قوله: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ أي وهم الملائكة، ولا يكون إلا طوعاً، وقوله: ﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾ أي من الإنس والجن. وقوله: ﴿ طَوْعاً وَكَرْهاً ﴾ حالان من الفاعل أي طائعين ومكرهين، والكره في المنافقين كما قال المفسر، وأما باقي الكفار فلم يكن منهم سجود، وهذا إن حمل السجود على حقيقته، وهو وضع الجبهة على الأرض بالفعل، وإن أريد من السجود الأمر به، بقيت على عمومها، فيندرج تحتها الإنس والجن والملك، ويصح حمله على معناه المجازي، وهو الخضوع والإنقياد، والمعنى والله خضع وانقاد وذل من في السموات والأرض جميعاً، وهو بمعنى قوله تعالى:﴿ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً ﴾[مريم: ٩٣] وعلى هذا فالمراد بمن في السموات والأرض، السماوات والأرض ومن فيهن، وغلب العاقل لشرفه، ولأنه المكلف بالسجود الحقيقي واللغوي، فالعارف بربه، المسلم لأحكامه، ولو غير عاقل، بدليل﴿ قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾[فصلت: ١١]، خضع طوعاً إجلالاً لهيبة الله وجلاله، والجاهل خضع كرهاً، بمعنى جرت المقادير عليه رغماً على أنفه. قوله: ﴿ وَظِلالُهُم ﴾ معطوف على من مسلط عليه يسجد، كما قدره المفسر، ومعنى سجود الظل: سجوده حقيقة تبعاً لصاحبه إن أريد بالسجود حقيقته، وخضوعه وانقياده إن أريد به المعنى المجازي، وسجود الظلال كلها طوعاً، لخلوها عن النفس التي تحمل الإنسان على عدم الرضا، ففي الحقيقة الكاره إنما هو النفس التي حواها الجسم، وأما الجسم والظلم فخضوعهما طوعاً، ولذا قيل: إن الكافر إذا سجد للصنم، سجد ظله لله. قوله: (البكر) جمع بكرة وهي من أول النهار. قوله: ﴿ وَٱلآصَالِ ﴾ جميع أصيل وهو من بعد العصر إلى الغروب، فالمراد جميع الأوقات إن أريد بالسجود الخضوع والإنقياد، وأوقات الصلوات إن أريد بالسجود حقيقته.


الصفحة التالية
Icon