قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ أي التوراة والإنجيل، فأل في الكتاب للجنس. قوله: (من مؤمني اليهود) أي ومؤمني النصارى، كأهل نجران والحبشة واليمن، فإنهم كانوا إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول، فاضت أعينهم دموعاً، كما تقدم في المائدة. قوله: (لموافقته ما عندهم) أي في التوراة والإنجيل. قوله: ﴿ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ﴾ أي فكانوا إذا سمعوا شيئاً يوافق هواهم سلموه وأقروا به، وإذا خالف هواهم أنكروه، فمثل القصص لا ينكرونها، ومثل الدعاء إلى التوحيد ينكرونه. قوله: (كذكر الرحمن) أي بالنسبة إلى مشركي العرب؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كتب لهم كتاب الصلح يوم الحديبية قال فيه: بسم الله الرحمن، قالوا: وما نعرف الرحمن، إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلة الكذاب، لقول بعضهم مادحاً له: سميت بالمجد يا ابن الأكرمين أباً   وأنت غير الورى لا زلت رحماناوقد هداه بعض الصحابة بقوله: سميت بالخبث يا ابن الأخبثين أباً   وأنت شر الورى لا زلت شيطاناقوله: ﴿ أَعْبُدَ ٱللَّهَ ﴾ أي أوحده. قوله: ﴿ إِلَيْهِ أَدْعُو ﴾ أي إلى عبادته وشريعته. قوله: (مرجعي) أي في الآخرة. قوله: ﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾ مثل إنزال الكتب السابقة. قوله: ﴿ حُكْماً عَرَبِيّاً ﴾ حالان من الضمير في أنزلناه، والمعنى أنزلناه حاكماً بين الناس بلغة العرب، وأسند الحكم له لأنه ترجمان عن الله، فطاعته طاعة الله. قوله: (فيما يدعونك إليه من ملتهم) أي كقولهم له اعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، وكالصلاة إلى بيت المقدس بعد ما حولت عنه. قوله: (فرضاً) أي على سبيل الفرض والتقدير، والمقصود تحذير من يجوز عليه اتباع الهمى، لأن المعصوم إذا خوطب بمثل ذلك، وكان المقصود غيره. قوله: ﴿ وَلاَ وَاقٍ ﴾ أصله واقي، استثقلت الكسرة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان، حذفت الياء لالتقائهما. قوله: (لما عيروه بكثرة النساء) أي حيث قالوا: لو كان مرسلاً حقاً، لكان مشتغلاً بالزهد وترك الدنيا والنساء، فرد الله تعالى عليهم مقالتهم بقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ﴾ إلخ، فقد كان لسليمان ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة سرية، وكان لأبيه داود مائة امرأة، ومع ذلك فلم يقدح في نبوتهما، فكيف يجعلون ذلك قادحاً في نبوتك، واعلم أن القوم كانوا يذكرون أنواعاً من الشبهات في إبطال النبوة، فالشبهة الأولى قولهم: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وسيأتي ذكره في الفرقان. الثانية قولهم: رسول الله إلى الخلق، لا بد وأن يكون من جنس الملائكة، كما قالوا﴿ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ﴾[الأنعام: ٨]، وقالوا:﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ ﴾[الحجر: ٧]، وستأتي أيضاً. الثالثة قولهم: لو كان رسولاً من عند الله لما اشتغل بالنساء،. فأجاب الله بقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ ﴾ الآية. الرابعة قولهم: لو كان رسولاً من عند الله، لكان أي شيء طلبناه من المعجزات أتى به. فأجاب تعالى بقوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ الآية. الخامسة قولهم: لو كان رسولاً ما أوعدنا به من نزول العذاب. فأجاب الله تعالى بقوله: ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ أي لكل حادث وقت معين، لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه. السادسة قولهم: لو كان صادقاً، ما نسخ الأحكام التي هي ثابتة في التوراة والإنجيل، وما نسخ بعض الأحكام التي جاء بها. فأجاب الله تعالى عنه بقوله:﴿ يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ ﴾[الرعد: ٣٩].
قوله: ﴿ وَذُرِّيَّةً ﴾ أي وقد كان لرسول الله سبعة أولاد ثلاثة ذكور وأربع إناث، وترتيبهم في الولادة هكذا: القاسم فزينب فرقية ففاطمة فأم كلثوم فعبد الله فإبراهيم، وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية، وكلهم ماتوا في حياته إلا فاطمة فماتت بعده بستة أشهر. قوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ ﴾ إلخ، أي لم يجعل الله للرسول الإتيان بآية مما اقترحه قومه إلا بإرادته تعالى. قوله: (مربوبون) أي مقهورون مغلبون. قوله: ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ رداً لاستعجالهم العذاب، فإنه كان يخوفهم بذلك، فاستعجلوه عناداً.


الصفحة التالية
Icon