قوله: ﴿ قَدْ نَرَىٰ ﴾ تقدم سبب نزول هذه الآية. قوله: (للتحقيق) وقيل للتكثير وهو بالنظر لفعل النبي لا لرؤية الله وهو خطاب تودد. قوله: (متطلعاً) أي متطلباً ومتشوفاً وهو إشارة لحال محذوفة. قوله: (لأنها قبلة إبراهيم) أي وقبلته من قبل. قوله: (ولأنه أدعى إلى إسلام العرب) أي فإنهم قالوا حين استقبل بيت المقدس حيث عدل عن قبلة أبيه إبراهيم: لا نتبعه أبداً. قوله: (نحولنك) متقضى هذه التفسير أن قبلة منصوب بنزع الخافض ولو أبقى نولي على حالها لفسرها بنعطي لأنها تنصب مفعولين، فالكاف مفعول أول وقبله مفعول ثان. قوله: (تحبها) أي بحسب الطبع وإلا فهو يحب أوامر الله مطلقاً. لكن إذا كانت موافقة للطبع كانت أحب، وهذا وعد من الله له بما يحبه وفي قوله إنجاز له. قوله: ﴿ شَطْرَ ﴾ يطلق على الجهة وهو المراد هنا ويطلق على النصف ويطلق على البعد يقال شطر فلان بمعنى بعد. قوله: (أي الكعبة) أشار بذلك إلى أن المراد بالمسجد الحرام خصوص الكعبة، ولما نزلت هذه الآية تحول لجهة الميزاب وهكذا قبلتنا بمصر فإنها لجهته. قوله: ﴿ وَحَيْثُ مَا ﴾ شرطية لاقترانها بما وكنتم فعل الشرط، وقوله فولوا إلخ جوابه وقرن بالفاء لأنه فعل طلبي، وفي هذه الآية إشارة أخرى لحكمة النسخ وهي تطلعه لجهة السماء ومحبته للكعبة، وتقدمت الحكمة الأولى كونها فتنة للناس ليتميز المؤمن من غيره. قوله: (خطاب للأمة) ودفع بذلك ما يتوهم أنه من خصائصه عليه الصلاة والسلام. قوله: ﴿ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ ﴾ أي في أي مكان وفي أي زمان. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ ﴾ قيل المراد بهم اليهود لأنهم هم المعارضون له في ذلك الوقت والكتاب هو التوراة، وقيل اليهود والنصارى والكتاب هو التوراة والإنجيل. قوله: (أي التولي إلى الكعبة) ويصح أنه عائد على النبي أو النسخ، لأن كلاً مذكور في الآية والمآل واحد قوله: (أيها المؤمنون أي وفيه وعيد وزجر وتهديد وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (ولئن أتيت) هذا أيضاً تسلية للنبي وتيؤس من إيمانهم، لأنهم ضلوا على علم فلا تنفع فيهم موعظة: وإذا ضلت العقول على علـ ـم فماذا تقوله النصحاءقوله: (لام قسم) أي وإن حرف شرط وقوله أتيت فعل الشرط وقوله ما تبعوا جواب القسم، وأما جواب الشرط فهو محذوف للقاعدة النحوية أنه اجتمع شرط وقسم فإنه يحذف جواب المتأخر منهما، وأيضاً قوله ما تبعوا لا يصلح أن يكون جواباً للشرط لأنه فعل منفي بما فحقه دخول الفاء فيه. قوله: (قطع لطمعه في إسلامهم) راجع لقوله ما تبعوا قبلتك، وقوله: (وطمعهم إلخ) راجع لقوله وما أنت بتابع قبلتهم، فهو لف ونشر مرتب. إن قلت كيف يطمعون في عوده لبيت المقدس مع أنه مذكور في كتبهم أنه لا يرجع عن الكعبة بعد أن تحول إليها، قلت إن ذلك الطمع واقع من جهلتهم الذين لا يعرفون في التوراة شيئاً. قوله: (أي اليهود قبلة النصارى) هذا مما يؤيد أن المراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى، وقبلة اليهود بيت المقدس، وقبلة النصارى مطلع الشمس. وكانت باختراع منهم لزعم بولس القسيس أنه بعد رفع عيسى قال لقيت عيسى عليه السلام فقال لي إن الشمس كوكب أحبه يبلغ سلامي في كل يوم فمر قومي ليتوجهوا إليها في صلاتهم ففعلوا ذلك. قوله: (إن اتبعتهم فرضاً) أي على سبيل الفرض والتقدير على حد لئن أشركت ليحبطن عملك، وقيل الخطاب له والمراد غيره لمزيد الزجر. قوله: ﴿ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ ما مصدرية تسبح مع ما بعدها بمصدر أي كمعرفتهم ابنائهم، والمشبه أقوى من المشبه به، قوله: (ومعرفتي لمحمد أشد) سئل عن ذلك فقال لأن معرفتي بابني ظنية لأنه يحتمل أن يكون من غيره، وأما معرفتي بمحمد فهي عن الله، وأي خبر أصدق خبر الله؟ قوله: (كائناً) أشار بذلك إلى أن قوله من ربك متعلق بمحذوف حال من الحق وهو خير لمبتدأ محذوف، والأظهر أن مبتدأ خبره والجار والمجرور بعده أو مبتدأ والخبر محذوف تقديره يعرفونه وأل يحتمل أنها للعهد الذكري أو الجنس أو الاستغراق، قوله: (الشاكين فيه) أي في كونهم يعرفون نعتك أو في الحق، قوله: (فهو أبلغ من لا تمتر) أي لكن النهي عاماً فيفيد أن الشك يضر كل من قام به، ولكنه مؤكداً بالنون ولأن الكناية أبلغ من الحقيقة بخلاف لا تمتر، فربما يتوهم أن الشك يضر إلا هو فقط ولم يكن مؤكداً.