قوله: ﴿ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾ أي لا ترغب فيما متعنا به أصنافاً من الكفار، فإنه مستحقر، وفي الحديث عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من أوتي القرآن، فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي، فقد صغر عظيماً، وعظم صغيراً "قوله: ﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لأجلهم. قوله: (ألن جانبك) أي تواضع لهم وارحمهم، كالطائر الذي يخفض جناحه على أفراخه، رحمة بها وشفقة عليها، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ما أمر به، قال البوصيري في هذا المعنى: أحل أمته في حرز ملته كالليث حل مع الأشبال في أجمقوله: ﴿ كَمَآ أَنْزَلْنَا ﴾ الكاف حرف تشبيه وجر، وما اسم موصول في محل جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: وقل: إني أنا النذير لكم بالعذاب، كالعذاب الذي أنزلناه على المقتسمين والماضي بمعنى المستقبل، إذ الذي نزل بأهل مكة لم يكن واقعاً حين نزول الآية، بل وقع بعد الهجرة، وكذا ما وقع للمقتسمين طرق مكة لم يكن واقعاً حينئذ، بل وقع يوم بدر، إن قلت: إن العذاب المنذر، ينبغي تشبيهه بشيء قد وقع ليحصل به الاتعاظ. أجيب: بأنه سهل ذلك تحتم نزوله، فكأنه واقع ولا بد، وقد تحقق ذلك يوم بدر. قوله: (اليهود والنصارى) أي حيث اقتسموا كتبهم، فآمنوا ببعضها الذي وافق هواهم، وكفروا بالبعض الذي خالفه. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ﴾ بيان للمقتسمين. قوله: ﴿ ٱلْقُرْآنَ ﴾ المراد به على هذا التفسير معناه اللغوي، فحينئذ صح تفسير المفسر له بكتبهم المنزلة عليهم. قوله: ﴿ عِضِينَ ﴾ جمع عضة، وأصلها قيل عضو، وقيل عضة، فعلى الأولى يكون: من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء، أي أجزاء متفرقة. وعلى الثاني يكون: من عضه إذا كذب، والمعنى جعلوا القرآن أجزاء متفرقة، أو جعلوه أكاذيب. قوله: (وقيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة) أي وهم ستة عشر رجلاً، بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا أعتاب مكة وأنقابها وفجاجها ويقولون لمن سلكها: لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة، فإنه مجنون، وربما قالوا ساحر، وربما قالوا شاعر، وربما قالوا كاهن، وسموا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق، فأماتهم الله شر ميتة، وكانوا نصبوا الوليد بن المغيرة حكماً على باب المسجد، فإذا سألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صدق أولئك، وما ذكره المفسر قولان من سبعة ذكرها القرطبي. قوله: (وقال بعضهم) معطوف على اقتسموا، فالضمير في بعضهم عائد على الذين اقتسموا، وهو إشارة إلى أن المراد بالقرآن على هذا القول، الكتاب المنزل على سيدنا محمد فجعلوه أجزاء، وحيث اختلفت أقوالهم فيه، فقال بعضهم سحر، وبعضهم كهانة، أو المراد جعلوه أكاذيب فلم يؤمنوا به. قوله: (سؤال توبيخ) جواب عما يقال: إنه أثبت سؤالهم هنا، ونفاه في سورة الرحمن حيث قال﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ ﴾[الرحمن: ٣٩] فحاصل الجواب: أن المنفي هناك سؤال الإكرام والاحترام، والمثبت هنا سؤال التوبيخ والتقريع.