قوله: ﴿ وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ ﴾ خبر مقدم، والمبتدأ محذوف قدره المفسر بقوله: (ثمر)، قوله: ﴿ تَتَّخِذُونَ ﴾ نعت لذلك المحذوف، والضمير في ﴿ مِنْهُ ﴾ عائد على ذلك المحذوف. قوله: (خمراً) أي وقيل إنه اسم للخل بلغة الحبشة، وقيل اسم للعصير ما دام حلواً، وتسميته سكراً باعتبار ما يؤول إليه، وعلى هذين التفسيرين، فالامتنان به باق لم ينسخ. قوله: (سميت بالمصدر) أي فالسكر مصدر سكر من باب فرح. قوله: (وهذا قبل تحريمها) أي لأن هذه السورة مكية، وتحريم الخمر كان بالمدينة، نزلت به سورة المائدة وهي مدنية. قوله: (والدبس) هو عسل الرطب ويطلق على عسل العنب. قوله: (المذكور) أي من إخراج اللبن على هذه الكيفية، واتخاذ السكر والرزق من الثمرات. قوله: ﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ ﴾ لما ذكر سبحانه وتعالى، ما يدل على باهر قدرته وعظيم حكمته، من إخراج اللبن من بين فرث ودم، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، ذكر إخراج العسل الذي جعله شفاء للناس من النحل، وهي دابة ضعيفة، لما فيه من العجائب البديعة والأمور الغريبة، وكل هذا يدل على وحدانية الصانع، وقدرته وعظمته. قوله: ﴿ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ ﴾ هو اسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالتاء، كنمل ونملة، وشجر وشجرة، ويذكر ويؤنث، فمن التأنيث قوله هنا ﴿ أَنِ ٱتَّخِذِي ﴾ ويجوز في غير القرآن تذكيره فيقال أن اتخذ. قوله: (وحي إلهام) أي هداية ورشد، لا وحي نبوة، إذ هي مستحيلة على غير المختصين من بني آدم، فمن أثبتها لغير النوع الإنساني فقد كفر. قوله: (مفسرة) أي لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه وهو قوله: ﴿ وَأَوْحَىٰ ﴾.
قوله: (أو مصدرية) أي فهي وما دخلت عليه، في تأويل مصدر مجرور بالباء، والتقدير أوحى ربك إلى النحل باتخاذها. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً ﴾ أي أماكن و ﴿ مِنَ ﴾ بمعنى في، أي اتخذي في الجبال أماكن تأوين إليها الخ. ومن عجيب قدرته تعالى، أن ألهمها اتخاذ بيوت على شكل مسدس، من أضلاع متساوية، لا يزيد بعضها على بعض، وليس فيه فرج خالية ولا خلل، وألهمها الله تعالى، أن تجعل عليها أميراً كبيراً نافذاً حكمه فيها وهي تطيعه، وهذا الأمير أكبرها جثة وأعظمها خلقة، يسمى يعسوب، وألهمها سبحانه وتعالى، أن تجعل على كل باب خلية بواباً، لا يمكن غير أهلها من الدخول إليها، وألهمها أن تخرج من بيوتها فتدور وترعى، ثم ترجع إلى بيوتها ولا تضل عنها. قوله: ﴿ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ أي وفيما (يبنون لك) أي فالنحل تارة تبني بيوتها التي هي من الشمع والماء، تارة في الجبال، وتارة في الأشجار، وذلك في النحل الوحشي، وتارة تبنيه في الخلايا، وهذا في النحل الأهلي. قوله: (وإلا لم تأو إليها) أي وإلا بأن لم يلهمها الله اتخاذ البيوت في الأماكن الثلاثة لم تأو إليها، فيضيع عسلها ولا ينتفع به.


الصفحة التالية
Icon