قوله: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ ﴾ أي من كان حظه ونيته ومنتهى آماله الدار الآخرة، بأن لم يجعل الدنيا قراراً له ولا وطناً، بل جعلها سفينة موصلة لمقصوده. قوله: ﴿ سَعْيَهَا ﴾ إما مفعول به أو مفعول مطلق، والمعنى كما قال المفسر، عمل عملها الذي يليق بها؛ كأعمال البر والطاعات واجتناب المنهيات. قوله: (حال) أي من ضمير ﴿ وَسَعَىٰ ﴾.
قوله: ﴿ فَأُولَئِكَ ﴾ جواب الشرط، وفيه مراعاة معنى من وفيما قبله مراعاة لفظها، وهو إشارة إلى أن من جمع ثلاث خصال، فهو من أهل الجنة: الإيمان والعمل الصالح والاخلاص، ولذا قال بعضهم: من لم تكن معه ثلاث لم ينفعه علمه: إمان ثابت، ونية صادقة، وعلم مصيب، وتلا هذه الآية، وهذا هو كما الإيمان. قوله: (مثابا عليه) أي فشكر الله لعباده قبولهم وإثابتهم على أعمالهم. قوله: (كلاً) مفعول لنمد. قوله: (من الفريقين) أي مريد الدنيا ومريد الآخرة. قوله: (بدل) أي من ﴿ كُلاًّ ﴾ بدل من كل كأنه قال: ﴿ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ ﴾ الأول للفريق الأول، والثاني للفريق الثاني، فهو لف ونشر مرتب. قوله: (في الدنيا) أي كسعة الرزق والجاه والعافية وغير ذلك. قوله: (ممنوعاً عن أحد) أي مؤمن أو كافر. وأما في الآخرة، فعطاؤه ممنوع عن الكافر، وهو مختص بالمؤمن. قوله: ﴿ كَيْفَ ﴾ منصوب على الحال من ﴿ فَضَّلْنَا ﴾ كأنه قال: انظر تفضيلنا بعضهم على بعض كائناً على أي حالة. قوله: (من الدنيا) أي من درجاتها، لأن فضل الآخرة عظيم لا ينقطع، بل هو دائم لا يفنى. قوله: (فينبغي الاعتناء بها) أي بالآخرة، وقوله: (دونها) أي الدنيا. قوله: ﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ الخطاب إما للنبي والمراد غيره، أو لكل مكلف، وهو الأولى، والمعنى لا تشرك أيها المكلف غير الله مع الله، لا في ظاهرك ولا باطنك، بل خلص قلبك من التعلق بغيره والمحبة لسواه، ولا تجعل الغير في خيالك، فإنه نقص عن مراتب الأخيار، ولذا قال ابن الفارض: ولو خطرت لي في سواك إرادة   على خاطري يوماً حكمت بردتيقوله: ﴿ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً ﴾ يصح أن تكون قعد بمعنى عجز، فمذموماً مخذولاً حالان، ويصح أن تكون بمعنى صار، فمذموماً مخذولاً خبران لها. قوله: (لا ناصر لك) تفسير لمخذولاً، وتقدم تفسيره مذموماً بملوماً، والمعنى ملوماً من الخلق، مخذولاً من الخلق، لم يجعل له ناصراً.


الصفحة التالية
Icon