قوله: ﴿ وَتَعَالَىٰ ﴾ عطف على ما تضمنه قوله سبحانه كأنه قال تنزه وتعالى. قوله: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ ﴾ الخ، القصد من ذلك التوبيخ والتقريع على من أثبت لله شريكاً، والمعنى كيف يشركون مع الله غيره، وكل شيء ينزهه عن كل نقص. قوله: ﴿ وَٱلأَرْضُ ﴾ أفردها مع أنها سبع كالسماوات، لكون جنسها واحداً وهو التراب. قوله: (من المخلوقات) أي الإنس والجن والملك وسائر الحيوانات والجمادات. قوله: (أي يقول سبحان الله وبحمده) أي اعتقد تنزيه الله وأصفه بحمده، أي بكل كمال. قوله: ﴿ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ هذا يقتضي أن تسبيح الجمادات والحيوانات غير العاقلة بلسان المقال، وهو الذي اختاره جمهور السلف، وذهب الأقل إلى أنه بلسان الحال، بمعنى أنها تدل تلك المخلوقات، على أن لها صانعاً متصفاً بالكمالات، منزهاً عن النقائص، فكان ذلك تسبيحاً لها، قال العارف: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدقوله: (حيث لم يعاجلهم العقوبة) أي مع غفلتكم، وعدم تدبركم في آياته، ونظركم في مصنوعاته قوله: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ ﴾ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم حين أراد الكفار قتله على حين غفلة، وأل في القرآن، إما للجنس الصادق بأي آية وهو الحق، لما في الحديث" خذ من القرآن ما شئت لما شئت "وكون القرآن حجاباً ساتراً، ليس من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، بل له ولأمته المؤمنين به المخلصين، كما هو مشاهد ومجرب بين العارفين، وأدلة السنة في ذلك أشهر من أن تذكر، أو للعهد، والمراد ثلاث آيات مشهورات من النحل والكهف والجاثية، وهي قوله تعالى في سورة النحل﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ ﴾[النحل: ١٠٨].
وفي سورة الكهف﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ﴾[الكهف: ٥٧].
وفي الجاثية﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾[الجاثية: ٢٣] الآية، وزاد العلماء أول سورة يس إلى قوله﴿ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾[يس: ٩] لما ورد أنه قرأها حين اجتمعوا على بابه لإرادة قتله، وأن الله له في الهجرة، فأخذ حفنة من تراب في يده، وخرج وهو يتلو يس إلى قوله﴿ فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾[يس: ٩] وجعل ينثر التراب على رؤوسهم، ثم انصرف، فلم يره أحد منهم، بل أخذ الله أبصارهم. قوله: ﴿ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ أي وهم المنكرون للبعث. قوله: (أي ساتراً) أشار بذلك إلى أن اسم المفعول بمعنى اسم الفاعل. قوله: (فيمن أراد الفتك به) أي كأبي جهل، وأم جميل زوجة أبي لهب، ويهود خيبر، ويهود المدينة، والمتفقين، والفتك بتثليث الفاء هو القتل على غفلة. قوله: (أغطية) أي حجباً معنوية تمنعهم من إدراكه. قوله: (فلا يسمعونه) أي إما أصلاً كما وقع لبعض الكفار، حيث كان النبي يقرأ القرآن وهم لا يسمعونه، أو المنفي سماع التدبر والاتعاظ، وهو موجود في جميع الكفار والمنافقين.