قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾ أي قصة ولادتها لعيسى وحملها به، فإنها من الآيات الكبرى، وتقدم أن معنى مريم العابدة خادمة الرب. قوله: (القرآن) أشار بذلك إلى أن أل في الكتاب للعهد. قوله: ﴿ إِذِ ٱنتَبَذَتْ ﴾ ظرف لمحذوف قدره المفسر بقوله: (أي خبرها) وهو بدل اشتمال، وليس المراد خصوص الخبر الواقع في وقت الانتباذ، بل هو وما بعده إلى آخر القصة. قوله: (أي اعتزلت في مكان) أشار بذلك إلى أن مكان منصوب على الظرفية، ويصح أن يكون مفعولاً به؛ على أن معنى ﴿ ٱنتَبَذَتْ ﴾ أتت مكاناً. قوله: (من الدار) أي دار زوج خالتها، وهو زكريا القيم عليها، وفي بعض النسخ أو شرق بيت المقدس، أي فقوله في الآية: ﴿ شَرْقِياً ﴾ يحتمل أن يكون شرقياً من دارها، أو من بيت المقدس. قوله: (أو تغتسل من حيضها) أي لأنها كانت تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت، وتعود إليه إذا طهرت، وقد حاضت قبل حملها بعيسى مرتين. قوله: ﴿ رُوحَنَا ﴾ سمي بذلك لأن الله أحيا به القلوب والأديان، كما أن الروح به حياة الأجساد، أو كناية عن محبة الله له، كما يقول الإنسان لمن يحبه أنت روحي. قوله: ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا ﴾ اختلف في كيفية تمثل الملك في غير صورته الأصلية، هل تنعدم بقية أجزائه الزائدة أو تنفصل، مع كونها باقية، أو لا تنفصل؟ وإنما تخفى عن الرائي، وهو الذي ندين الله به، لأن لهم قدرة على التشكيلات بالصور الجميلة ولا تحكم عليهم. قوله: (بعد لبسها ثيابها) جواب عما يقال: إن الملك لا يدخل على امرأة مكشوفة الرأس، فضلاً عن كونها مكشوفة البدن، فيكف أتى مريم وهي تغتسل؟ فأجاب المفسر: بأنه إنما تمثل لها بعد أن لبست ثيابها. قوله: ﴿ بَشَراً سَوِيّاً ﴾ أي بصورة شاب أمرد معتدل الخلقة لتأنس بكلامه، ولعله يهيج شهوتها، فتنحدر نطفتها إلى رحمها، ولا يقال إن النظر المهيج للشهوة حرام، لأن ذلك إذا كان مع اختيار، وأما الميل الطبيعي فلا يؤاخذ به الإنسان. قوله: ﴿ بِٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ خصته بالذكر ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه، لعدم المغيث لها من الخلق. قوله: ﴿ إِن كُنتَ تَقِيّاً ﴾ أي عاملاً بمقتضى تقواك وإيمانك. قوله: (فتنتهي عني) هو جواب الشرط، وقدره فعلاً مضارعاً مقروناً بالفاء، فهو على تقدير المبتدأ، ليكون الجواب جملة اسمية، حتى يسوغ اقترانه بالفاء، أي فأنت تنتهي عني. قوله: ﴿ رَسُولُ رَبِّكِ ﴾ أي جبريل، وقولهم إن الوحي لم ينزل على امرأة قط أي برسالة، وأما بغيرها فلا مانع منه. قوله: ﴿ لأَهَبَ لَكِ ﴾ بالياء والهمزة قراءتان سبعيتان، فعلى الأولى الإسناد لله، وعلى الثانية الإسناد لجبريل، لكونه سبباً فيه. قوله: ﴿ غُلاَماً زَكِيّاً ﴾ يه مجاز الأول، لأنه حينئذ لم يكن غلاماً.


الصفحة التالية
Icon