قوله: ﴿ فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ ﴾ أي ألجأها. قوله: (لتعتمد عليه) أي فاعتمدت عليه، وقيل حضنته وكان يابساً فاخضر وأثمر لوقته. قوله: (فولدت) أي ببيت لحم، فخافت عليه، فجاءت به إلى بيت المقدس، فوضعته على صخرة، فانخضت الصخرة له وصارت كالهمد، وهي الآن موجودة تزار بحرم بيت المقدس، ثم بعد أيام توجهت به إلى بحر الأردن فغمسته فيه، وهو اليوم الذي يتخذه النصارى عيداً ويسمونه يوم الغطاس، وهم يظنون أن المياه في ذلك اليوم تقدست، فلذلك يغطسون في كل ماء. قوله: (في ساعة) هو الصحيح، وقيل حملته في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة، وقيل كان مدة حملها تسعة أشهر، وقيل ثمانية أشهر، وقيل ستة أشهر، وسنها إذ ذاك عشر سنين، وقيل ثلاث عشرة سنة، وقيل ست عشرة سنة. قوله: ﴿ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا ﴾ إنما تمنت الموت لئلا تقع المصيبة بمن تتكلم في شأنها بسوء، وإلا فهي راضية بما بشرت به. قوله: ﴿ وَكُنتُ نَسْياً ﴾ بكسر النون وفتحها قراءتان سبعيتان، وقوله: ﴿ مَّنسِيّاً ﴾ تأكيد لنسياً. قوله: ﴿ فَنَادَاهَا ﴾ أي لما شق عليها الأمر وعلمت أنها تتهم، ولا بعد لعدم وجود بينة ظاهرة تشهد لها، قيل أول من علم بها يوسف النجار، وكان رفيقاً لها يخدمان المسجد، ولا يعلم من أهل زمانهما أحد أشد عبادة واجتهاداً منهما، فبقي متحيراً في أمرها، ثم قال لها: قد وقع في نفسي من أمرك شيء، وقد حرصت على كتمانه، فغلبني ذلك، فرأيت أن أتكلم به أشفي صدري، فقالت: قل قولاً جميلاً، قال: أخبريني يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر؟ فقالت: نعم، ألم تعلم أن الله أنبت الشجرة بالقدرة من غير بذر ولا غيث؟ أو تقول: إن الله تعالى لا يقدر أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها؟ قال يوسف: لا أقول هذا، ولكني أقول: إن الله يقدر على ما يشاء، يقول له كن فيكون، قالت مريم: ألم تعلم أن الله تعالى خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى، فعند ذلك زال ما في نفسه من التهمة، كان ينوب عنها في خدمة المسجد مدة نفاسها. قوله: ﴿ مِن تَحْتِهَآ ﴾ بفتح الميم وكسرها قراءتان سبعيتان، فعلى الأولى الفاعل هو الموصول وتحتها صلته، وعلى الثانية الفاعل ضمير مستتر، والجار والمجرور متعلق بنادي. قوله: (أي جبريل) تفسير لمن على الفتح، والضمير المستتر في نادى على الكسر، وقيل المنادي لها عيسى، ومعنى كونه تحتها أسفل ثيابها، وحينئذ فيكون قوله: ﴿ أَلاَّ تَحْزَنِي ﴾ إلى قوله: ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ أول كلام عيسى. قوله: (وكان أسفل منها) أي كان جبريل في مكان أسفل من مريم. قوله: ﴿ أَلاَّ تَحْزَنِي ﴾ يحتمل أن تكون ﴿ أَنْ ﴾ مفسرة وقد وجد شرطها، وهو تقدم ما هو بمعنى القول، و ﴿ لاَ ﴾ ناهية وحذفت النون للجازم، أو ناصبة ولا نافية، وحذفت النون للناصب. قوله: (نهر ماء) أي وجمعه سريان كرغيف ورغفان، ويطلق السري على الشريف الرئيس، وأصله سريو، اجمتعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء كسيد، ويكون المراد به عيسى، وما مسى عليه المفسر، أظهر لمناسبة قوله: ﴿ فَكُلِي وَٱشْرَبِي ﴾.
قوله: (كان انقطع) أي ثم جرى واملأ ماء ببركة عيسى وأمه. قوله: (والباء زائدة) أي ويصح أن تكون أصلية، والمفعول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لرطباً، والتقدير وهزي إليك رطباً كائناً بجذع النخلة. قوله: (وفي قراءة بتركها) أي التاء مع تخفيف السين وفتح القاف وبقي قراءة سبعية أيضاً وهي ضم التاء مع كسر القاف بمعنى تسقط فرطباً مفعول به. قوله: (تمييز) أي على القراءتين اللتي ذكرهما المفسر على الثالثة. قوله: ﴿ جَنِيّاً ﴾ أي تاماً نضجه صالحاً للاجتناء. قوله: ﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾ العامة على فتح القاف من قر يقر، بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع من باب تعب، وقرئ شذوذاً بكسر القاف، وهي لغة نجد فتح العين في الماضي وكسرها في المضارع من باب ضرب. قوله: (أي تسكن) أي فهو من القرار بمعنى عدم الحركة، ويصح أن يكون من القر وهو البرد، لأن العين إذا فرح صاحبها، كان دمعها بارداً، وإذا حزن كان دمعها حاراً، كأنه قال: اتركي الحزن وافرحي بما أعطاك ربك. قوله: (حذفت منه لام الفعل) أي وأصله ترأيين، بمهزه عين الكلمة وياء مكسورة، هي لامها، وأخرى ساكنة هي ياء الضمير، والنون علامة الرفع، نقلت حركة الهمزة إلى الراء فسقطت الهمزة، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً فالتقى ساكنان حذفت لالتقائهما، ثم أكد بالنون وحرك بالكسر، ففيه ست إعمالات، نقل الحركة وسكون الهمزة وقلب الياء ألفاً وحذفها وتأكيد بالنون وتحريكه بالكسر، وإن نظرت لحذف نون الرفع للجازم كانت سبعة، أفاد المفسر منها خمساً، ولم يرتبها كما يعلم بالتأمل. قوله: (فسألك عن ولدك) جواب عما يقال إن قولها ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ كلام فقد حصل التناقض، فأجاب: بأن المراد: إذا رأيت أحداً من البشر، وسألك عن أمرك فقولي الخ، ويكون إنشاء النذر من حين قولها للسائل تلك المقالة. قوله: ﴿ صَوْماً ﴾ قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد، صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام، فلا يتكلم حتى يمسي، وفي هذا دلالة على ترك مجادلة السفهاء والتكلم معهم فإنه أغيظ لهم. قوله: (مع الأناسي) أي لا مع الله كالذكر ولا مع الملائكة، لما ورد أنها كانت تكلم الملائكة، ولا تكلم الإنس، والأناسي بفتح الهمزة جمع إنسي أو إنسان، وأصله على هذا أناسين، قلبت النون ياء وأدغمت في الياء. قوله: (أي بعد ذلك) أي بعد قولها: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً ﴾.


الصفحة التالية
Icon