قوله: ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ ﴾ أي في المستقبل إن لم ترجع، وإنما عبر بالخوف، لأنه لم يكن قاطعاً بموته على الكفر، بل كان مترجياً إيمانه، وقيل المراد بالخوف العلم والأقرب الأول، لأنه لو علم عدم هدايته ما خاطبته بهذا الخطاب اللطيف. قوله: (ناصراً وقريناً) المناسب الاقتصار على تفسيره بالقرين، لأنه بعد الدخول في العذاب، لا يتأتى معاونة ولا مناصرة. قوله: ﴿ أَرَاغِبٌ ﴾ مبتدأ و ﴿ أَنتَ ﴾ فاعل سد مسد الخبر، وسوغه اعتماده على الاستفهام، وهو أولى من جعله خبراً مقدماً، و ﴿ أَنتَ ﴾ مبتدأ مؤخر لأنه يلزم عليه الفصل بين العامل وهو ﴿ أَرَاغِبٌ ﴾ والمعمول وهو ﴿ عَنْ آلِهَتِي ﴾ بأجنبي وهو أنت، لأن المبتدأ غير المعمول للخبر. قوله: ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ﴾ الخ قابل التعطف واللطافة في الخطاب بالفظاظة والغلظة، فناداه باسمه وصدر كلامه الإنكار وهدده بقوله: ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ ﴾.
وكل إناء بالذي فيه ينضح. قوله: (بالحجارة) أي حتى تموت أو تخلي سبيلي. قوله: (أو الكلام القبيح) أي الشتم والذم. قوله: (فاحذرني) قدره إشارة إلى أن قوله.
﴿ وَٱهْجُرْنِي ﴾ معطوف على محذوف ليحصل التناسب بين المعطوف والمعطوف عليه، فإن جملة ﴿ ٱهْجُرْنِي ﴾ إنشائية، وجملة ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ﴾ الخ خبرية، ولا يصح عطف الإنشاء على الخبر. قوله: ﴿ مَلِيّاً ﴾ إما منصوب على الظرفية، وإليه يشير المفسر بقوله: (دهراً طويلاً) أو على الحال من فاعل اهجرني، أي اعتزلني سالماً لا يصيبك مني مضرة. قوله: (أي لا أصيبك بمكروه) أي فهو سلام متاركة ومقاطعة. قوله: ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ ﴾ أي أطلب غفرانه لك، المترتب على هدايتك وإسلامك. قوله: ﴿ حَفِيّاً ﴾ أي مبالغاً في إكرامي، واللطف بي، والاعتناء بشأني، ويطلق الخفي على المستقصي في السؤال، ومنه قوله تعالى:﴿ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾[الأعراف: ١٨٧].
قوله: (وهذا قبل أن يتبين له أنه عدو لله) هذا جواب عما يقال: كيف يجوز الاستغفار للكفار؟ فأجاب: بأنه استغفر له قبل علمه أنه عدو لله، فلما علم ذلك تبرأ منه، وبهذا تعلم أنه يجوز الدعاء بالمغفرة للكافر، إن قصد بها هدايته وإسلامه، فإن قطع بكفره فلا يجوز. قوله: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ ﴾ أي ارتحل من أرضكم وبلادكم، وقد فعل ذلك. قوله: (بأن ذهب) أي من باب العراق إلى الأرض المقدسة. قوله: (يأنس بهما) استفيد منه أنه رأى يعقوب وهو كذلك، لما تقدم أنه بشر بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وقد عاش إبراهيم مائة وخمساً وسبعين سنة، وبينه وبين آدم ألفا سنة، وبينه وبين نوح ألف سنة.