قوله: ﴿ إِسْمَاعِيلَ ﴾ أي ابن إبراهيم، وكان من هاجر جارية سارة التي وهبتها له، فلما ولدت له إسماعيل نقلها إلى الحجز قبل بناء البيت، فتربى إسماعيل بين جرهم عرب من اليمن فزوجوه، فلما كبر أرسله الله إليهم، كما قال المفسر، ثم تناسلت منه العرب الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفاه بهذا فخراً، ولما كان أعظم مزية من أولاد إبراهيم، أفرده بالذكر والثناء. قوله: ﴿ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ ﴾ خص بهذا الوصف، وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء، لأنه المشهور بين خصاله. قوله: (وانتظر من وعده) أي شخصاً وعده إسماعيل، وكان عليه إبراز الضمير، لأن الصلة جرت على غير من هي له، والمعنى إن إسماعيل وعد شخصاً أن ينتظره في مكان ليذهب الرجل ويأتي له. فمكث ثلاثة أيام أو حولاً. قوله: ﴿ وَكَانَ رَسُولاً ﴾ أي بشريعة أبيه. قوله: (قلبت الواوان) الخ أي فوقعت الواو الثانية متطرفة، قلبت ياء فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، وهذا الوصف جامع لكل خير، لأن من كانت أفعاله مرضية لربه، ولا يصدر عنه إلا كل وبر وإحسان، ولا شك أن الأنبياء كذلك، لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته. قوله: ﴿ إِدْرِيسَ ﴾ هذا لقبه، واسمه أخنوخ بن شيث بن آدم، ولقب بذلك لأنه أو من درس الكتب، لأن الله أنزل عليه ثلاثين صحيفة، قيل هي التي نزلت على أبيه وقيل غيرها، وهو أول من خط بالقلم، وخاط الثياب، واتخذ السلاح، وقاتل الكفار، ونظر في علم النجوم والحساب. قوله: (هو جد أبي نوح) أي لأن نوحاً بن لمك، بفتح اللام وسكون الميم، ابن متوشلخ بن إدريس. قوله: ﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ﴾ اختلف المفسرون في المكان العلي، فقيل المراد به المكان المعنوي، وهو الرفعة وعلو المنزلة، وقيل المراد به المكان الحسي، وعليه فقيل هو السماء الرابعة، وقيل الجنة، واختلفوا في سبب رفعه، فقيل إنه كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة، مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه، فعجب منه الملائكة، واشتقاق إليه ملك الموت، فاستأذن ربه في زيارته فأذن له، فأتاه في صورة بني آدم، وكان إدريس يصوم الدهر، فلما كان وقت إفطاره، دعاه إلى طعامه، فأبى أن يأكل معه، ففعل ثلاث ليال، فأنكره إدريس وقال له في الليلة الثالثة: إني إريد أن أعلم من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، استأذنت ربي أن أصحبك، فقال إدريس: لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قال: تقبض رومحي، فأوحى الله إليه أن أقبض روحه، فقبضها وردها إليه في ساعة، فقال له ملك الموت: ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال: لأذوق الموت وغمته، فأكون أشد استعداداً، ثم قال له أدريس: إن لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال ترفعني إلى السماء، لأنظر إليها وإلى الجنة والنار، فأذن الله له فرفعه، فلما قرب من النار قال: لي إليك حاجة، قال: وما تريد؟ قال: تسأل مالكاً حتى يفتح أبوابها ففعل، فقال له: كما أريتني النار فأرني الجنة، فذهب به إلى الجنة، فاستفتح أبوابها، فأدخله الجنة، ثم قال له ملك الموت: اخرج لتعود إلى مقرك، فتعلق بشجرة وقال: ما أخرج منها، فبع ثالله ملكاً حكماً بينهما، فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ قال: لأن الله تعالى قال:﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾[آل عمران: ١٨٥] وقد ذقته، وقال:﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾[مريم: ٧١] وقد وردتها، وقال:﴿ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾[الحجر: ٤٨] ولست أخرج، فأوحى الله إلى ملك الموت، بإذني دخل الجنة، وبأمري لا يخرج منها، فهو حي هناك، وقيل سببه أنه نام ذات يوم، فاشتد عليه حر الشمس فقال: اللهم خفف عن ملك الشمس وأعنه، فإنه يمارس ناراً حامية فأصبح ملك الشمس، وقد نصب له كرسي من نور عنده سبعون ألف ملك عن يمينه، ومثلها عن يساره، يخدمونه ويتولون عمله من تحت حكمه، فقال ملك الشمس: يا رب، من أين لي هذا؟ قال: دعا لك رجل من بني آدم يقال له إدريس فقال: يا رب اجعل بيني وبينه خلة، فأذن له في ذلك، فصار يتردد على إدريس فقال له: إنك أكرم الملائكة عند ملك الموت، فاشفع لي عنده ليؤخر أجلي فأزداد عبادة وشكراً، فقال الملك: لا يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها، فرفعه في مكانه، ثم أتى ملك الموت فقال له: صديق من بني آدم، يتشفع بي إليك لتؤخر أجله، فقال: ليس ذلك إلي، ولكن إن أحببت أعلمته متى يموت فيقدم لنفسه، قال: نعم، فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان يموت الساعة عند مطلع الشمس، قال: إني أتيتك وتركته هناك، فانطلق فوجده قد مات ثم أحياه الله، فهو يرفع في الجنة تارة، ويعبد الله مع الملائكة في السماء الرابعة تارة أخرى، قال العلماء: أربعة من الأنبياء أحياء، اثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس، واثنان في السماء وهما عيسى وإدريس.