قوله: ﴿ تَذْكِرَةً ﴾ مفعولاً لأجله ولتشقى كذلك، وإنما نصب الثاني دون الأول، لأن فاعل الذكرى والإنزال هو الله، بخلاف الأول. قوله: ﴿ لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾ أي لمن في قلبه رقة يتأثر بالمواعظ. قوله: (بدل من اللفظ) أي عوض عن التلفظ والنطق بفعله المقدر، والأصل نزلناه تنزيلاً، فحذف الفعل وجوباً، لنيابة المصدر عنه في المعنى والعمل. قوله: (هو) قدره إشارة إلى أن ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ خبر لمحذوف، وحينئذٍ فيكون نعتاً مقطوعاً قصد به المدح. قوله: (سرير الملك) أي الذي يجلس عليه الملك، قال تعالى في حق بلقيس﴿ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا ﴾[النمل: ٤١].
قوله: (استواء يليق به) هذه طريقة السلف الذين يفوضون علم المتشابه لله تعالى، ومن ذلك جواب الإمام مالك رضي الله عنه، عن معنى الاستواء على العرش في حقه تعالى، حيث قال للسائل: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا عني هذا المبتدع، وأما الخلف وهم من بعد الخمسمائة، فيؤولونه بمعنى صحيح لائق به سبحانه وتعالى فيقولون: إن المراد بالاستواء، الاستيلاء بالتصرف والقهر، فالاستواء له معنيان، الركوب والجلوس، والاستيلاء بالقهر والتصرف، وكلا المعنيين وارد في اللغة، يقال استوى السلطان على الكرسي، بمعنى جلس واستوى على الأقطار، بمعنى ملك وقهر، ومن الثاني قول الشاعر: قد اسْتَوَى بشر عَلَى الْعِرَاقِ مِنْ سَيْفٍ وَدَم مِهراقوحينئذٍ، فالمتعين إطلاقه عليه تعالى بهذا المعنى هو الثاني. قوله: (من المخلوقات) بيان للثلاثة. قوله: (هو التراب الندي) أي الذي فيه نداوة، فإن لم يكن ندياً فهو تراب، ولا يقال له ثرى. قوله: ﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ ﴾ المقصود منه النهي عن الجهر، لغير أمر شرعي، كأنه يقول: إن الله غني عن الجهر، فلا تجهد نفسك به، فالجهر بالذكر أو الدعاء أو القراءة يقصد إسماع الله تعالى، إما جهل أو كفر، وإما لغرض آخر، كإرشاد العباد، وحضور القلب، ودفع الشواغل والوسوسة فهو مطلوب. قوله: (فالله غني) الخ، قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، وقوله: ﴿ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ ﴾ الخ، تعليل لذلك المحذوف. قوله: ﴿ وَأَخْفَى ﴾ هو أفعل تفضيل، أي والذي هو أخفى من السر. قوله: (أي ما حدثت به النفس) الخ، هذا أحد أقوال في تفسير السر وأخفى، وقال ابن عباس: السر ما أسره ابن آدم في نفسه، وأخفى ما أخفى على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه، فالله يعلم ذلك كله، وعلمه فيما مضى من ذلك وما يستقبل علم واحد، وجميع الخلائق في علمه كنفس واحدة. قوله: (فلا تجهد) بفتح التاء والهاء، أو ضم التاء وكسر الهاء من جهد وأجهد، أي لا تتعب نفسك بالجهر، بقصد إسماع الله تعالى، وهذا نهي له صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره. قوله: (والحسنى مؤنث الأحسن) أي فهو اسم تفضيل، يوصف بها الواحد من المؤنث والجمع من المذكر الغير العاقل كما هنا.