قوله: ﴿ وَأَيُّوبَ ﴾ قدر (اذكر) إشارة إلى أن ﴿ أَيُّوبَ ﴾ معمول لمحذوف. قوله: (ويبدل منه) أي من أيوب، والمعنى اذكر قصة أيوب ﴿ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ ففي الحقيقة الإبدال من المضاف المقدر كما تقدم نظيره وسيأتي. قوله: (لما ابتلي) متعلق بنادى. قوله: (بفقد جميع ماله) أي فجملة ابتلاه الله به أربعة أمور. وحاصل قصته باختصار: أن أيوب كان رجلاً من الروم، وهو ابن أموص بن رازخ بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم، وكانت أمة من ولد لوط بن هاران أخي ابراهيم، وكان له من أصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمر، ما لا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة، وكان له خمسمائة فدان، يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد ومال، وكان له أهل وولد من رجال ونساء، وكان نبياً تقياً شاكراً لأنعم ربه، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به، وكانوا كهولاً، وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السماوات، فيقف فيهن من حيث ما أراد، فسمع صلاة الملائكة على أيوب فحسده وقال: إلهي نظرت في عبدك أيوب، فوجدته شاكراً حامداً لك، ولو ابتليته لرجع عن شكرك وطاعتك، فقال له الله: انطلق فقد سلطتك على ماله، فانطلق وجمع عفاريت الشياطين والجن وقال لهم: قد سلطت على مال أيوب، فقال عفريت: أعطيت من القوة، ما إذا شئت تحولت إعصاراً من نار فأحرقت كل شيء آتي عليه، قال إبليس: اذهب فائت الإبل ورعاتها، فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار، فأحرق الإبل ورعاتها، حتى أتى على آخرها، ثم جاء إبليس على صورة القيم على قعود إلى أيوب، فوجده قائماً يصلي فقال له: أحرقت نار إبلك ورعاتها، فقال أيوب: الحمد لله هو أعطانيها وهو أخذها، ثم سلط عفريتاً على الغنم ورعاتها، فصاح عليهم فماتوا جميعاً، وعلى الحرث فتحول ريحاً عاصفاً فأطارها، ثم جاء إبليس وأخبر أيوب بذلك، فحمد الله وأثنى عليه، فلما رأى أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه شيء، صعد إلى السماء وقال: يا رب سلطني على أولاده، فقال له: انطلق فقد سلطتك على أولاده، فذهب إليهم وزلزل بهم القصر وقلبه عليهم فماتوا جميعاً، ثم جاء في صورة المعلم الذي يعلمهم الحكمة، وهو جريح مشدوخ الرأس يسيل دمه، فأخبره بموت أولاده، وفصل له ذلك حتى رق قلبه وبكى، وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه وقال: يا ليت أمي لم تلدني، ففرح إبليس وصعد إلى السماء سريعاً لينظر ما يفعل به، فأوحى الله إلى أيوب إنه إبليس فاستغفر، فوقف إبليس خاسئاً ذليلاً فقال: يا رب سلطني على جسده، فقال له: انطلق فقد سلطتك على جسده، غير قلبه ولسانه وعقله، فانقض عدو الله سريعاً، فأتاه فوجده ساجداً، فنفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده، فخرج منها ثآليل مثل إليات الغنم، ووقعت فيه حكة، فحك بأظفاره حتى سقطت كلها، ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها، ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة، فلم يزل كذلك حتى تقطع جسده وأنتن، فأخرجه أهل القرية وجعلوه على كناسة، وجعلوا له عريشاً، وهجره الناس كلهم إلا زوجته رحمة بنت أفراثيم بن يوسف بن يعقوب، فكانت تخدمه وتأتيه بالطعام، وهجره الثلاثة الذين آمنوا به، ولم يتركوا دينهم، ونقل أن سبب قوله: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ ﴾ أن الدود قصد قلبه ولسانه، فخشي أن يفتر عن الذكر، ولا ينافي صبره قوله: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ ﴾ لأن شكوى للخالق، وهي لا تنافي الصبر. إن قلت: إن الأنبياء يستحيل عليهم المنفر من الأمراض. أجيب بأن ما نزل به ليس من المنفرات في شيء، وإنما هو حرارة وحكة، ظهرت من آثار نفخ اللعين إبليس، وأعظم الله ضرها لخصوص أيوب تعظيماً لقدره، لأن أشد الناس بلاء، الأنبياء ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، كما ورد بذلك الحديث. قوله: (أو ثماني عشرة) هذا هو الصحيح. قوله: (وضيق) إما فعل مبني للمفعول عطف على (ابتلي) أو مصدر عطف على فقد. قوله: ﴿ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ تعريض بطلب الرحمة. قوله: ﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ أي الذي في ضمنه الدعاء. قوله: ﴿ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾ روي أن الله تعالى قال له: اركض برجلك الأرض فركض، فخرجت عين ماء، فأمره أن يغتسل منها ففعل، فذهب كل داء كان بظاهره، ثم مشى أربعين خطوة، فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل، فنبعت عين ماء بارد، فأمره أن يشرب منها فشرب، فذهب كل داء كان بباطنه، فصار كأصح ما كان، وهو معنى قوله تعالى في صورة ص﴿ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾[ص: ٤٢].
قوله: (بأن أحيوا له) أي لأنهم ماتوا قبل انتهاء آجالهم، وقيل رزقه الله مثلهم، روي أن امرأته ولدت بعد ذلك ستة وعشرين ابناً. قوله: (ثلاث أو سبع) أي فجملتم ستة أو أربعة عشر. قوله: (وكان له أندر) هو الموضع الذي يدرس فيه الطعام. قوله: (أفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب) أي لمناسبته له الحمرة، وكذا يقال فيما بعده. قوله: ﴿ وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾ خصهم لأنهم المنتفعون بذلك. قوله: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ عاش مائة وثلاثين سنة، وكان له حين مات أبوه تسع وثمانون سنةن وقصة صبره على الذبح ستأتي مفصلة في سورة الصافات. قوله: ﴿ وَإِدْرِيسَ ﴾ هو جد نوح، ولد في حياة آدم قبل موته بمائة سنة، وبعث بعد موته بمائتي سنة، وعاش بعد نبوته مائة وخمسون سنة، فجملة عمره أربعمائة وخمسون سنة، وكان بينه وبين نوح ألف سنة. قوله: ﴿ وَذَا ٱلْكِفْلِ ﴾ هذا لقبه واسمه بشر، وهو ابن أيوب. قوله: ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ ﴾ معطوف على محذوف تقديره فأعطيناهم ثواب الصابرين وأدخلناهم الخ، قوله: (لأنه تكفل بصيام جميع نهاره) الخ، أي فكان يصوم النهار ويصلي الليل ولا يفتر، وكان ينام وقت القيلولة، وكان لا ينام إلا بتلك النومة، فامتحنه إبليس لينظر هل يغضب أم لا، فأتاه إبليس حين أخذ مضجعه، فدق عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقال: شيخ كبير مظلوم، بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني، فقام وفتح له الباب، وصار يطيل عليه الكلام حتى ذهبت القيلولة فقال له: إذا قعدت للحكم فائتني أخلص حقك، فلما جلس للحكم لم يجده، فلما رجع إلى القائلة من الغد، أتاه ودق الباب، فقال له: من هذا؟ فقال: الشيخ المظلوم، ففتح الباب فقال: ألم أقل لك إذا قعدت للحكم فائتني؟ فقال: إن خصومي أخبث قوم، إذا علموا أنك قاعد قالوا نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني، فلما كان اليوم الثالث قال ذو الكفل لبعض أهله: لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإنه قد شق علي النعاس، فلما كانت تلك الساعة جاءه إبليس فلم يأذن له الرجل، فرأى طاقة فدخل منها ودق الباب من داخل فاستيقظ فقال له: أتنام والخصوم ببابك، فعرف أنه عدو الله، وقال: فعلت ما فعلت لأغضبك فعصمك الله. قوله: (وقيل لم يكن نبياً) أي بل كان عبداً صالحاً، والصحيح أنه نبي بعث إلى رجل واحد.