قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ (الذي قصصناه عليك) أي من وعد المؤمنين ووعيد الكفارين، واسم الإشارة خبر لمحذوف تقديره الأمر الذي قصصناه عليك، أي لا تغيير فيه ولا تبديل، فهي كلمة يؤتى بها للانتقال من كلام إلى آخر. قوله: ﴿ وَمَنْ عَاقَبَ ﴾ العقاب مأخوذ من التعاقب، وهو مجيء الشيء بعد غيره، وحينئذ فقوله: ﴿ عَاقَبَ ﴾ بمعنى جازى حقيقة لغوية، وأما قوله: ﴿ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ﴾ أتى به لمشاكلة الأولى للازدواج نظير﴿ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾[البقرة: ١٩٤]، والباء في ﴿ بِهِ ﴾ للسببية. قوله: (أي قاتلهم) أي قاتل من كان يقاتله، نزلت هذه الآية في قوم من المشركين، لقوا قوماً من المسلمين، لليلتين بقيتا من المحرم، فقالوا: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا، فحملوا عليهم وثبت المسلمون ونصرهم الله عليهم، وإلى هذا يشير المفسر بقوله: ﴿ غَفُورٌ ﴾ (لهم عن قتالهم في الشهر الحرام) وقيل نزلت في قوم من المشركين، مثلوا بقوم من المسلمين، قتلوهم يوم أحد، فعاقبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله، وقل إنها عامة في النبي وأصحابه، وذلك أن المشركين كذبوا نبيهم، وآذوا من آمن به، وأخرجوهم من مكة، فوعد الله بالنصر محمداً وأصحابه فإنهم حزب الله، والكفار حزب الشيطان. قوله: ﴿ غَفُورٌ ﴾ (لهم) أي ما فعلوه، لأنهم فعلوه دفعاً عن أنفسهم، لا تجرياً على المحرم. قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ مبتدأ، و ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ ﴾ خبره. قوله: (بأن يزيد) أي الآخر، وقوله: (ذلك) أي الإيلاج، فهو إشارة إلى أن الإيلاج دليل القدرة، والقدرة دليل النصر، لأن القادر على إدخال كل منهما في الآخر، قادر على نصر أحبائه وخذلان أعدائه. قوله: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ ﴾ بالفتح في قراءة العامة، عطف على أن الأولى، وقرئ شذوذاً بالكسر استئنافاً. قوله: ﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ ﴾ مبتدأ وخبر، وقوله: ﴿ هُوَ ﴾ إما مبتدأ أو ضمير فصل. قوله: (الثابت) الذي لا يقبل الزوال أزلاً ولا أبداً. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (الزائل) أي الفاني الذي لا بقاء له. قوله: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾ نتيجة ما قبله من الأوصاف. قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾ شروع في ذكر ستة أدلة على كونه هو الحق، وما سواه باطل، وفي الحقيقة كل دليل نتيجة للدليل الذي قبله ففي الأدلة الترقي في الاحتجاج والمعرفة فتأمل. الأول: إنزال الماء الناشئ عنه اخضرار الأرض. الثاني: قوله: ﴿ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾.
الثالث: تسخير ما في الأرض. الرابع: تسخير الفلك. الخامس: إمساك السماء. السادس: الإحياء ثم الإماتة ثم الإحياء ثانياً. قوله: (تعلم) فسر الرؤية بالعلم دون الإبصار، لأن الماء وإن كان مرئياً، إلا أن كون الله منزلاً له من السماء غير مرئي. قوله: (مطراً) لا مفهوم له، لأن النيل وماء الآبار من السماء، إلا أن يقال اقتصر على المطر، لأنه هو المشاهد نزوله من جهة السماء دون غيره. قوله: ﴿ فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾ عبر بالمضارع إشارة إلى استمرار النفع به بعد نزوله. قوله: (بما في قلوبهم عند تأخير المطر) أي من التأثر والقنوط. قوله: (على جهة الملك) أي فلا ملك لأحد معه.


الصفحة التالية
Icon