قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ الخ، لما ذكر الله أحكام العفاف، وكان من جملة العفاف، عدم دخول منازل الغير إلا بإذن أهلها ذكر الاستئذان عقب ذلك. وسبب نزولها أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحالة، فنزلت. قوله: ﴿ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ أي غير محل سكنكم، وحينئذ فقد خرج مالك ذات الدار إذا دخل على مكتريها، فيجب عليه الاستئذان، لأنه قد صدق عليه أنه غير بيته. قوله: ﴿ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ من الاستئناس وهو ضد الاستيحاش، سمي بذلك لأن المستأذن مستوحش، فإذا أذن له فقد زال الاستيحاش. قوله: (فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل) أشار بذلك إلى أن السلام مقدم على الاستئذان، وهو قول الأكثر والحق التفصيل، فإن وقع بصره على أحد في البيت قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان ثم يسلم، ويكون كل من السلام والاستئذان ثلاث مرات، يفصل بين كل مرتين بسكوت يسير، الأول إعلام، والثاني للتهيؤ، والثالث استئذان في الدخول أو الرجوع، وإذا أتى الباب، لا يستقبله من تلقاء وجهه، بل يجيء من جهة ركنه الأيمن أو الأيسر، وإذا طلب منه التعيين فليعين نفسه بصفة تميزه، ولا يكتف بقوله أنا مثلاً، لما روي عن جابر بن عبد الله قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا؟ فقلت: أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أنا، كأنه كره ذلك لعدم إفادته، فالواجب أن يفعل الشخص كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أراد الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم، أيدخل عمر؟ قوله: (من الدخول بغير استئذان) أي ومن تحية الجاهلية، حيث كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتاً غير بيته يقول: حييتكم صباحاً، حييتكم مساء، فربما أصاب الرجل مع امرأته في الحاف. قوله: (بإدغام التاء الثانية في الذال) أي بعد قلبها دالاً فذالاً. قوله: ﴿ أَحَداً ﴾ (يأذن لكم) السالبة تصدق بنفي الموضوع، فهو صادق بأن لا يكون فيها أحد أصلاً، أو فيها من لا يصلح للإذن، أو فيها من يصلح، لكن لم يأذن. قوله: ﴿ حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ أي حتى يأتيكم الإذن، ولو مع خادم يوثق به. قوله: ﴿ هُوَ أَزْكَىٰ ﴾ أي أطهر للأمن من الرذائل والدناءات. قوله: ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ هذا كالاستثناء من قوله: ﴿ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ وسبب نزولها: أن أبا بكر رضي الله عنه لما نزلت آية الاستئذان قال: يا رسول الله كيف بالبيوت التي بين مكة والشام على ظهر الطريق والخانات، أفلا ندخلها إلا بإذن؟ فنزلت. قوله: ﴿ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ أي غير معدة لسكنى طائفة مخصصة، كالربط والخانات والحمامات والحوانيت ونحوها. قوله: (باستكنان) أي طلب كن يستتر فيه من الحر والبرد، وقوله: (وغيره) كالبيع والشراء. قوله: (المسبلة) اقتصر عليها، لأن مورد سؤال أبي بكر في الخانات المسبلة التي بين مكة والشام. قوله: (وسيأتي) أي في آخر السورة في قوله:﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾[النور: ٦١] أي قولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن الملائكة ترد عليكم، أي وإن كان بها أهل فسلموا عليهم.


الصفحة التالية
Icon