قوله: ﴿ فِي بُيُوتٍ ﴾ المراد بها جميع المساجد، وقيل خصوص مساجد أربع: الكعبة ومسجد المدينة وبيت المقدس وقباء، لأنه لم يبنها إلا نبي، فالكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل، وبيت المقدس بناه داود وسليمان، ومسجد المدينة وقباء بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأقرب الأول، لأن العبرة بعموم اللفظ. قوله: (يتعلق بيسبح الآتي) أي سواء قرئ ببنائه للفاعل أو المفعول، وكرر الظرف وهو قوله فيها اعتناء بشأن المساجد، لما ورد: بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء، كما تضيء النجوم لأهل الأرض، ويصح أن يكون متعلقاً بمحذوف دل عليه قوله: ﴿ يُسَبِّحُ ﴾ والتقدير سبحوا ربكم في بيوت، وعلى هذين فالوقف على عليم، ويصح أن يكون الجار والمجرور صفة لمشكاة أو لمصباح أو لزجاجة، أو متعلق بتوقد، وعلى هذه الأربعة لا توقف على عليم. قوله: ﴿ أَذِنَ ٱللَّهُ ﴾ أي أمر، والجملة صفة لبيوت، و ﴿ أَن ﴾ وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء المقدرة، والتقدير أمر الله برفعها. قوله: (تعظم) أي حساً ومعنى، فالتعظيم الحسي رفعها بالبنيان المتين الحسن، مساوياً لبنيان البلد أو أعلى، ولا منافاة بين هذا، وقوله عليه الصلاة والسلام:" إذا ساء عمل قوم زخرفوا مساجدهم "لأن المنهي عنه الزخرفة والتزويق، لا حسن البنيان واتقانه، ومن التعظيم الحسي، تطهيرها من الأقذار والنجاسات، قال القرطبي: كره بعض أصحابنا تعليم الصبيان في المساجد، لأنهم لا يتحرزون عن الأقذار والأوساخ، فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنظيفها وتطييبها فقال:" جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينيكم وسل سيفوكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم، وجمروها في الجمع واجعلوا لها على أبوابها المطاهر ". والتعظيم المعنوي بترك اللهو واللعب الحديث الدنيوي، وغير ذل بما لا ينبغي. قوله: ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ ﴾ أي بأي ذكر كان. قوله: (بفتح الموحدة وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان، فعل الفتح يكون نائب الفاعل أحد المجرورات الثلاث، والأول أولى، ولذا اقتصر عليه المفسر، و ﴿ رِجَالٌ ﴾ فاعل فعل محذوف، أو خبر لمحذوف تقديره يحسبه أو المسبح، وعليه فالوقف على ﴿ ٱلآصَالِ ﴾ وعلى الكسر، فرجال فاعله، ولا يوقف على ﴿ ٱلآصَالِ ﴾.
قوله: (أي يصلي) فسر التسبيح بالصلاة لاشتمالها عليه، واختلف في المراد بالصلاة، فقيل المراد الصبح في الغدو، وباقي الخمس في الآصال، وقد أشار لهذا المفسر بقوله: (من بعد الزوال) وقيل المراد صلاة الصبح والعصر لما قيل: إنهما الصلاة الوسطى. قوله: (مصدر) أي في الأصل، أما هنا فالمراد منه الأزمنة. قوله: (أي البكر) أي وهي أوائل النهار، وقوله: (العشايا) هي أواخر النهار. قوله: ﴿ رِجَالٌ ﴾ خصوا بالذكؤ، لأن شأنهم حضور المساجد للجمعة والجماعة. قوله: (شراء) خص التجارة بالشراء، وإن كان لفظ التجارة يقع على البيع أيضاً لذكره البيع بعده، وقيل المراد بالتجارة حقيقتها، ويكون خص البيع بالذكر، لأن الاشتغال به أعظم، لكون الربح الحاصل من البيع ناجزاً محققاً، والربح الحاصل من الشراء مشكوك فيه مستقبل فلا يكاد يشغله. قوله: ﴿ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ أي عن حقوق الله صلاة أو غيرها، فقوله: ﴿ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ ﴾ من ذكر الخاص بعد العام اعتناء بشأنهما، فإن المواظب عليهما كامل الإيمان. قوله: ﴿ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ ﴾ أي أدائها في أوقاتها بشروطها وأركانها وآدادبها. قوله: ﴿ يَخَافُونَ يَوْماً ﴾ أي هؤلاء الرجال، وإن أكثروا الذكر والطاعات، فإنهم مع ذلك وجلون خائفون من الله سبحانه وتعالى، لعلمهم بأنهم ما عبدوه حق عبادته. قوله: (بين النجاة والهلاك) راجع لتقلب القلوب، وقيل معنى تقلب القلوب، ارتفاعها إلى الحناجر، فلا تنزل ولا تخرج من شدة الهول. قوله: (بين ناحية اليمين والشمال) وقيل تقلب الأبصار، شخوصها من هول الأمر وشدته.


الصفحة التالية
Icon