الذي جعل يجوز رفعه خبر مبتدأ محذوف ونصبه صفة لما قبله أو على القطع وأجيز رفعه على الابتداء والخبر.﴿ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً ﴾ وهو في نهاية الضعف لمضي الصلة فلا يناسب دخول الفاء في الخبر وللربط بالاسم الظاهر وهو لله فلا تجعلوا له وأجاز مكي رحمه الله أن ينتصب على أعني وليس بالتفسير فيحتاج إلى إضمار أعني وأن ينتصب بتتقون وهو إعراب تنزه القرآن عنه، والأحسن جَعْل جَعَلَ بمعنى صيّر، فينتصب فراشا وبناء على المفعول لا يمعنى خلق فينتصبان على الحال. ومعنى فراشا: تستقرون عليها. والفراش والمهاد والبساط والقرار والوطاء نظائر، والبناء مصدر يراد به المبني فهو تشبيه بما يفهم كقوله:﴿ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ ﴾[الذاريات: ٤٧] شبهت بالقبة المبنية على الأرض. ومن السماء متعلق بانزل أو في موضع الحال فتتعلق بمحذوف إذ لو تأخر لكان صفة لما فيكون التقدير من مياه السماء ونكر ماء لأن المنزل لم يكن عاماً فتدخل فيه أل.﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ ﴾ أي بالماء. والباء للسببية وهذه السببية مجاز، إذ هو تعالى قادر على أن ينشىء الأجناس وقد أنشأها من غير مادة ولا سبب ولكن لما وجد خلقه بعض الأشياء عنه أمر ما أجرى ذلك الأمر مجرى لسبب لا انه سببه حقيقة ومن للتبعبيض وأل في الثمرات لتعريف الجنس وجمع لاختلاف أنواعه ولا حاجة إلى ارتكاب أن الثمرات من باب الجموع التي يتعاور بعضها موضع بعض لاكتفائها في الجمعية نحو: كم تركوا من جنات وثلاثة قروء، فقامت الثمرات مقام الثمر أو الثمار كما ذهب إليه الزمخشري وأبعد من جعل من زائدة وألْ في الثمرات للاستغراق لأن زيادة مِنْ في الواجب وقيل: معرفة انفرد بجوازه الأخفش ولأن من الثمرات ما لا يكون رزقاً لنا فلا يصح الاستغراق واحتمل رزقاً أن يكون كالطحن. فينتصب على الحال. وأن يكون مصدراً فيكون مفعولاً من أجله وقرىء من الثمرة على التوحيد ولكم في موضع الصفة ان كان رزقاً بمعنى المرزوق وفي موضع المفعول إن كان مصدراً وجوز أن يتعلق بأخرج. وقدم خلق الانسان لأنه أقرب إلى معرفته ثم بخلق الآباء ثم بالأرض لأنها أقرب إليه من السماء، وقدم السماء على نزول المطر وخروج الثمرات لأنه كالمتولد بين السماء والأرض؛ والأثر متأخر عن المؤثر. قال أبو عبيدة: النداء الضد وقيل: الكفؤ والمثل. ولما كانوا اتخذوا أندادا جاء النهي عن جعل أنداد لله تعالى على حسب الواقع. وهذه الجملة متعلقة بقوله: اعبدوا، أي فوحدوه وأخلصوا له العبادة لأن أصلها هو التوحيد. وقال الزمخشري: تتعلق بلعل على أن ينتصب تجعلوا انتصاب فأطلع في قوله﴿ لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ ﴾[غافر: ٣٦-٣٧] في رواية حفص عن عاصم أي خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه ولا تشبهوه بخلقه " انتهى ". فعلى هذا لا تكون لا ناهية بل نافية. وتجعلوا منصوب على جواب الترجي ولا يجوز على مذهب البصريين وفي كلامه تعليق لعلكم تتقون بخلقكم على ما مر من مذهبه الاعتزالي ويجوز أن يكون متعلقاً بالموصول وصلاته إذا جعلت. الذي خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي جعل لكم هذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة على توحيده.﴿ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ جملة حالية فيها هُزء لترك الأنداد أي أنتم من أهل العلم والتمييز بين الحقائق فلا تفعلوا فعل أجهل العلم أو أبعدهم عن الفطنة. وقدروا مفعول تعلمون أنواعاً من التقادير والأولى أن يكون متروكاً إذ المقصود إثبات أنهم من أولي العلم. قال ابن عطية: هذه الآية تعطي أن الله تعالى أغنى الإِنسان.. إلى آخر كلامه وهذا خطأ في التركيب لأنه لا ينوب أن ومعمولاها مناب مفعولي أعطى بخلاف باب ظن.﴿ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ﴾: " الآية " ليست ان بمعنى إذ ولا كان هنا ماضية المعنى واللفظ ولم تخلصه ان للاستقبال وإن كان الريب وقعوا فيه حقيقة كما زعموا بل أخرج هذا الشرط في صورة المستقبل أي هو مما يعرض وقوعه وإن كان لا يمكن وجوده إذ وضوح انتفاء أن يكونوا في ريب من جهته غير خاف، وفي ريب هو من تنزيل المعاني منزلة الاجرام. ومن: تحتمل ابتداء الغاية والسببية. وما موصولة، أي من الذي نزلنا والعائد محذوف أي نزلناه وأجيز أن تكون نكرة موصوفة ونزلنا تضعيفه مرادف للهمزة التي للنقل. وقرىء: أنزلنا وليس التضعيف هنا دالاً على نزوله منجماً في أوقات مختلفة خلافاً للزمخشري قال: فإن قلت: لم قيل مما نزلنا على لفظ التنزيل دون الانزال؟ قلت: لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم وهو من مجازه لمكان التحدي. " انتهى ". وهذا الذي قاله الزمخشري في تضعيف عين الكلمة هو الذي يعبر عنه بالتكثير أي يفعل ذلك مرة بعد مرة فيدل على هذا المعنى بالتضعيف وذهل الزمخشري عن كون ذلك إنما يكون في الأفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية، نحو: خرجت زيداً وفتحت الباب وقطعت وذبحت. فلا يقال: جلّس زيد ولا قعّد ولا صَوّم. ونزلنا لم يكن متعدياً قبل التضعيف إنما تعدى بالتضعيف أو الهمزة فإِن جاء التكثير في لازم فهو قليل ويبقى على حاله لازماً قالوا مات المال وموت إذا كثر ذلك فيه وأيضاً فالتضعيف الذي يراد به التكثير إنما يدل على كثرة الفعل إما أن يصير اللازم متعدياً فلا ونزلنا كان قبل التضعيف لازماً تقول نزل القرآن، ويدل على بطلان ما ذهب إليه قوله تعالى:﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾[الفرقان: ٣٢].
ففي قوله تعالى:﴿ نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا ﴾ التفات إذ هو خروج من غائب إلى متكلم ويفيد التفخيم للمنزل والمنزل عليه، وفي إضافة العبد إليه تعالى تنبيه على عظم قدره واختصاصه بخالص العبودية. ولفظ العبد عام وخاص وهذا من الخاص لا تدعني إلا بيا عبدها لأنه أشرف أسمائي. وقرىء على عبادنا. يعني الرسول وأمته. قيل: ويحتمل أن يراد بالعباد النبيون الذين أنزل عليهم الكتب والرسول عليه السلام أول مقصود بذلك. والسورة المنزلة الرفيعة وسميت سورة القرآن بذلك لأنه يشرف بها قارئها. وقيل: قطعة من القرآن من أسأرت من السؤر والهمزة في سؤرة لغة وطلب منهم الإِتيان بمطلق سورة وهي التي أقلها ثلاث آيات وتقدم وإن كنتم في ريب مما نزلنا ولم يكن التركيب في ريب من عبدنا، فناسب أن يكون الضمير في من مثله عائداً على المنزل لا على المنزل عليه. والمطلوب في غير هذا أن يأتوا بسورة مثله وبعشر سور مثله، وقال علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن. ومن في موضع الصفة: أي من كلام مثله. وقول من قال: انها لبيان الجنس أو زائدة مرغوب عنه. والمثلية في حسن النظم وبديع الوصف وغرابة الأسلوب والأخبار بالغيب مما كان وما يكون ومما احتوى عليه من الأمر والنهي والوعد والوعيد والقصص والحكم والمواعظ والأمثال والصدق والأمن من التحريف والتبديل. وقيل: الضمير في مثله عائد على المنزل عليه فمن متعلقة بقوله: فاتوا، أي فاتوا من مثل الرسول بسورة. أو في موضع الصفة، أي بسورة كائنة وصادرة من رجل مثله. وفي كلا التقديرين من الابتداء الغاية والمثلية تتجه على كونه على الفطرة الأصلية أميّاً لا يحسن الكتابة ولا دارس العلماء ولا جالس الحكما ولا فارق وطنه الذي نشأ فيه. وإذا كان الضمير في من مثله عائداً على المنزل فذكر المثل على سبيل الفرض. والشهداء جمع شهيد للمبالغة كعليم وعلماء. وكونه جمع شاهد كشاعر وشعراء وليس من باب فاعل. وقال الزمخشري: ولا قصد إلى مثل ونظير هنا ولكنه مثل قوله القبعثري للحجاج. وقال له: لا حملنك على الأدهم مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب. أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقوة وسط اليد، ولم يقصد أحداً يجعله مثلاً الحجاج. " انتهى ". وقد فسر هو المثلية: في كونه بشراً عربياً أميّاً لم يقرأ الكتب. فقوله لا مثل ولا نظير ليس بظاهر لأن المماثل في هذا الشيء الخاص موجود ومن دون الله يحتمل أن يتعلق بشهداءكم أي ادعوا من اتخذتم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم أنكم على الحق أو أعوانكم من دون الله أي من دون أولياء الله ومن تستعينون بهم دون الله أو يتعلق بادعوا أي وادعوا من دون الله أي لا تستشهدوا بالله فتقولوا الله يشهد ان ما ندعيه حق ولم يكتف في تعجيزهم بأن يعارضوه حتى أمرهم أن يدعوا شهداءهم فيستعينون بهم على ذلك وهو أمر تعجيز. والظاهر أنّ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ في كونكم في ريب من المنزل على عبدنا، وجواب الشرط محذوف أي فأتواه


الصفحة التالية
Icon