﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾ السفهاء عام في الذكور والإِناث، والسفه: تبذير المال فيما لا ينبغي وأضاف الأموال إلى المخاطبين الناظرين في أموال السفهاء تغبيطاً للأموال لما كانوا يتصرفون فيها للسفهاء، والاضافة تكون بأدنى ملابسة. وقرىء اللاتي جمعاً وقرأ الجمهور التي بالافراد وإن كان نعتاً لجمع وجعل صلة حذف منها الضمير تقديره جعلها ومعنى قياماً تقومون بها وتنتعشون بها ولو ضيعتموها لتلفت أحوالكم ويقام بها الحج والجهاد وأعمال البر وبها فكاك الرقاب من الرق ومن الأسر ومن النار، وقال: فيها، ولم يقل: منها، تنبيهاً على ما قاله عليه الصلاة والسلام. ابتغوا في أموال اليتامى التجارة لا تأكلها الزكاة فعلى هذا يكون الرزق والكسوة من الأرباح التي تحصل من أصل الأموال. وقد يكون معنى الآية أمر ذوي الأموال أن لا يأتوا أموالهم السفهاء فيبقون فقراء بتبذير السفهاء الأموال كمن يعطي زوجته وولده السفيهين ماله فأمر بأن لا يفعل ذلك وأن يمسك ماله ويرزقهما ويكسوهما فيها أي في أموال نفسه. وتكون في بمعنى: من، فتكون إضافة الأموال إليهم حقيقة لا مجازاً.﴿ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ ﴾ الآية قيل:" توفي أوس بن ثابت عن زوجته أمّ كجّة وثلاث بنات وابن عم سويد وعُرفُجة فأخذا ماله ولم يعطيا المرأة ولا البنات شيئاً. وقيل: المانع ارتهن هو ابن عم بينها واسمه ثعلبة وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا البنات ولا الابن الذكر الصغير فشكتهما أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلا ولا يبكُىءُ عدواً. فقال: انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله تعالى، فنزلت "وابتلاء اليتامى اختبارهم في عقولهم ودينهم وحفظ أموالهم وحسن تصرفهم فيها وكيفية ابتلاء الصغير انه يدفع إليه نذر من المال يتصرف فيه. والوصي يراعي حاله فيه لئلا يتلفه واختبار الصغيرة أن يرد إليها أمر البيت والنظر في الاستغزال دفعاً وأجرة واستيفاء واختبار كل منهما بحال ما يليق به وبما يعانيه من الأشغال والصنائع ولم تتعرض الآية لسن البلوغ وقد غُيي الابتلاء بوقت البلوغ.﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ ﴾ أي بعد البلوغ. ودل ذلك على أنه لا يعطي ماله إلا بشيئين بلوغه وإيناس رشده فلو بلغ غير رشيد دام عليه الحجر أو أُونسَ منه رشد قبل البلوغ، فكذلك هذا الظاهر وهو عام في جميع اليتامى ولو عاشوا سنين بعد البلوغ من غير رشد فالحجر عليهم. وانتصب: ﴿ إِسْرَافاً وَبِدَاراً ﴾ على أنهما مصدران أو على أنهما في موضع الحال أي مسرفين ومبادرين. و ﴿ أَن يَكْبَرُواْ ﴾ معمول لقوله: وبدارا وجاء ولا تأكلوها ولا يراد خصوصية الأكل بل عبر بذلك عن أخذ مال اليتامى إذ الأكل أعظم منافع الأخذ.﴿ وَمَن كَانَ غَنِيّاً ﴾ الجملتان الظاهر أنه يدل على أنه تقسم لحال الوصي على اليتيم فأمره تعالى بالاستعفاف عن ماله إن كان غنياً واقتناعه بما رزقه الله تعالى من الغنى. وأباح له الأكل بالمعروف من مال اليتيم إن كان فقيراً بحيث يأخذ قوتاً محتاطاً في تقديره. وظاهر هذه الآية الاباحة انه لا تبعة عليه ولا يترتب في ذمته ما أخذ مما يسد جوعه ويستر عورته بما لا يكون رفيعاً من الثياب ولا يقضي إذا أيسر.﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ ﴾.
أمر تعالى بالاشهاد لحسم مادة النزاع وسوء الظن بهم والسلامة من الضمان والعزم على تقدير إنكار اليتيم وطيب خاطره بفك الحجر عنه وانتظامه في سلك من يعامِل ويعامَل وإذا لم يشهد فادّعى عليه صدق مع اليمين عند أبي حنيفة وأصحابه وعند مالك والشافعي لا يصدق إلا بالبينة فكان في الاشهاد الاحتراز عن توجه الحلف المفضي إلى التهمة أو من وجوب الضمان إذا لم تتم البينة. وظاهر الأمر أنه واجب.﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ ﴾ بالله فاعل كفى والباء زائدة أي وكفى الله. وحسيباً تمييز فقيل: مبالغة من حاسب. وقيل: معناه محاسب كجليس بمعنى مجالس.