﴿ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ ﴾ الآية نزلت في طعمة بن أبيرق لما فضحه الله بسرقته وبرأ اليهودي ارتد وذهب إلى مكة، وقيل في أهله قدموا فأسلموا ثم ارتدوا ومن يشاقق عام فيندرج فيه طعمة وغيره من المشاققين وفي سورة الحشر بيشاق بالإِدغام وهي لغة تميم والفك لغة الحجاز وقد قرىء بهما في قوله:﴿ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ﴾[المائدة: ٥٤] والرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم.﴿ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ ﴾ أي اتضح له الحق الذي هو سبب الهداية وهذا تقبيح عظيم لمن اتضح له الحق وسلك غيره وسبيل المؤمنين هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، وهذه الجملة المعطوفة هي على سبيل التوكيد والتشنيع والا فمن يشاقق الرسول هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة ولكنه بدأ بالأعظم في الاثم واتبع بملازمة توكيداً واستدل الشافعي رضي الله عنه وغيره بهذه الآية والزمخشري في تفسيره على أن الإِجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا يتجوز مخالفة الكتاب والسنة وما ذكروه ليس بظاهر لأن المرتب على وصفين اثنين لا يلزم منه أن يترتب على كل واحد منهما فالوعيد إنما يترتب في الآية على من اتصف بمشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين ولذلك كان الفعل معطوفاً على الفعل، ولم يعد معه اسم الشرط فلو أعيد اسم الشرط فكان يكون ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين لكان فيه ظهوراً على ما ادعوا وهذا كله على تسليم أن يكون قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين مغايراً لقوله: ومن يشاقق الرسول، وليس بمغاير بل هو أمر لازم لمشاقة الرسول وذكر على سبيل المبالغة والتوكيد وتفظيع الأمر وتشنيعه والآية بعد هذا كله هي في وعيد الكفار فلا دلالة فيها على جزئيات فروع مسائل الفقه. وقرىء يوله ويصله بالياء وبالنون فيهما ويصل الهاءين بياء واختلاس الحركة فيهما وسكونها. وقرىء ونصله بفتح النون من صلا وبضمها من أصلي ومصيراً تمييز والمخصوص بالذم محذوف مضمر يعود على جهنم أي وساءت مصيراً هي.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ الآية، تقدم تفسيرها إلا أن آخر ما تقدم فقد افترى إثماً عظيماً، وآخر هذه فقد ضل ضلالاً بعيداً، ختمت كل آية بما يناسبها فتلك كانت في أهل الكتاب وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباع شريعته ونسخها جميع الشرائع ومع ذلك فقد أشركوا بالله مع أن عندهم ما يدل على توحيد الله والإِيمان بما نزل فصار ذلك افتراء واختلافاً مبالغاً في العظم والجرأة على الله وهذه الآية في ناس مشركين ليسوا بأهل كتب ولا علوم ومع ذلك فقد جاءهم الهدى من الله وبأن لهم طريق الرشد فأشركوا بالله فضلوا بذلك ضلالاً يستبعد وقوعه أو يبعد عن الصواب ولذلك جاء بعده أن يدعون من دونه إلا إناثاً وجاء بعد تلك ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم. وقوله:﴿ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ ﴾[النساء: ٥٠] ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد بهم اليهود وإن كان اللفظ عاماً. ولما كان الشرك أعظم الكبائر كان الضلال الناشىء عنه بعيداً عن الصواب لأن غيره من المعاصي وإن كان ضلالاً لكنه قريب من أن يراجع صاحبه الحق لأن له رأس مال يرجع إليه وهو التوحيد، بخلاف المشرك، ولذلك قال تعالى:﴿ يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ ﴾[الحج: ١٢].
وناسب هنا أيضاً ذكر الضلال لتقدم الهدى قبله.