﴿ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ ﴾ الآية لما أمروا بالإِيمان بالله ورسوله وأمروا باتباعه ذكر أن من قوم موسى عليه السلام من وفق للهداية وعدل ولم يجر ولا تكون له هداية إلا باتباع شريعة موسى عليه السلام قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وباتباع شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه فهذا إخبار عمن كان من قوم موسى بهذه الأوصاف فكان المعنى أنهم كلهم لم يكونوا ضلالاً بل كان منهم مهتد كعبد الله بن سلام وأصحابه.﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ ﴾ الآية، اثنتي عشرة حال. وأجاز أبو البقاء ان يكون قطعنا بمعنى صيرنا وأن ينتصب اثنتي عشرة على أنه مفعول ثان لقطعنا، ولم يعد النحويون قطعنا في باب ظننت وجزم به الحوفي فقال: اثنتي عشرة مفعول لقطعناهم أي جعلناهم اثنتي عشرة وتمييز اثنتي عشرة محذوف لفهم المعنى تقديره اثنتي عشرة فرقة وأسباطاً بدل من اثنتي عشرة. وتقدم تفسير الاسباط في البقرة. و ﴿ أُمَماً ﴾ قال أبو البقاء: نعت لإِسباط، أو بدل بعد بدل، ولا يجوز أن يكون إسباطاً تمييزاً لأنه جمع وتمييز هذا النوع لا يكون إلا مفرداً.﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ ﴾ تقدم تفسير نظيره في البقرة.﴿ فَٱنبَجَسَتْ ﴾ أي غرقت وانفجرت سالت. وقال الواحدي: الانجباس الانفجار. يقال: بجس وانبجس بمعنى واحد. وقال الزمخشري: أناس، إسم جمع غير تكسير نحو: رخاء وثناء وتؤام وأخوات لها. ويجوز أن يقال: أن الأصل الكسر والتكسير والضمة بدل من الكسر كما أبدلت في نحو: سكارى وغيارى. " انتهى ". لا يجوز ما قال لأن سيبويه نص في كتابه على أن فعالي جمع تكسير أصل كما أن فعالي كذلك ولم يسمع كسر همزة أناس كما سمع الضم في فعالي.﴿ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ ﴾ تقدمت هذه القصة وتفسيرها في البقرة وكان هذه مختصرة من تلك، إذ هناك وإذ قلنا ادخلوا، وهنا وإذ قيل لهم اسكنوا، وهناك رغداً، أو وسقط هنا، وهناك، وسنزيد، وهنا سنزيد، وهناك فأنزلنا على الذين ظلموا، وهنا فأرسلنا عليهم، وبينهما تغاير في بعض الألفاظ لا تناقض فيه بقوله: وإذ قيل لهم، وهناك وإذ قلنا، فهنا حذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى، وهناك ادخلوا، وهنا اسكنوا، والسكنى ضرورة فتعقب الدخول فأمروا هناك بمبدأ الشىء، وهنا بما تسبب عن الدخول، وهناك فكلوا بالفاء، وهنا بالواو، فجاءت الواو على أحد محتملاتها من كون ما بعدها وقع بعدما قبلها. وقيل: الدخول حالة منقضية فحسن ذكر فاء التعقيب بعده. والسكنى حالة مستمرة فحسن الأمر بالأكل معه لا عقبيه فحسنت الواو الجامعة للأمرين في الزمن الواحد وهو أحد محاملها. وقيل: ثبت رغداً بعد الأمر بالدخول لأنها حالة قدوم فالأكل فيها ألذ وأتم وهم إليه أحوج بخلاف السكنى فإِنها حالة استقرار واطمئنان فليس الأكل فيها ألذ ولا هم أحوج إليه. وأما التقديم والتأخير في قوله: وقولوا وادخلوا، فقال الزمخشري: سواء قدموا الحطة على دخول الباب أو أخروها فهم جامعون في الإِيجاد بينهما. " انتهى ". وقوله: سواء قدموا وأخروها، تركيب غير عربي وإصلاحه سواء أقدموا أم أخروها، كما قال تعالى:﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا ﴾[إبراهيم: ٢١].
ويمكن أن يقال ناسب تقديم الأمر بدخول الباب سجداً مع تركيب ادخلوا هذه القرية لأنه فعل دال على الخضوع والذلة وحطة قول والفعل أقوى في إظهار الخضوع من القول فناسب أن يذكر مع مبدأ الشىء وهو الدخول ولأن قبله ادخلوا فناسب الأمر بالدخول للقرية الأمر بدخول بابها على هيئة الخضوع، ولأن دخول القرية لا يمكن إلا بدخول بابها فصار باب القرية كأنه بدل من القرية أعيد معه العامل بخلاف الأمر بالسكنى. وأما سنزيد هنا فقال الزمخشري: موعد بشيئين بالغفران والزيادة، وطرح الواو لا يخل بذلك لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل: وماذا بعد الغفراء. فقيل له: سنزيد المحسنين. وزيادة منهم بيان وأرسلنا وأنزلنا ويظلمون ويفسقون من واد واحد. وقرأ الحسن حطة بالنصب على المصدر أي حط ذنوبنا حطة ويجوز أن ينتصب يقولوا على حذف التقدير، وقولوا قولاً حطة أي ذا حطة. فحذف واو صار حطة وصفاً للمصدر المحذوف، كما تقول: قلت حسناً قلت حقاً أي قولاً حسناً وقولاً حقاً.