﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ مناسبتها لما قبلها أنه لما تقدم سؤال الكفار عن الساعة ووقتها وكان فيهم من لا يؤمن بالبعث ذكر ابتداء خلق الإِنسان وإنشاءه تنبيهاً على أن الإِعادة ممكنة كما أن الإِنشاء ممكن. وتقدم تفسير نظيرها.﴿ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ أي ليطمئن ويميل إليها ولا ينفر عنْها، لأن الجنس إلى الجنس أميل وآنس به. وإذا كان منها على حقيقته فالسكون والمحبة أبلغ كما يسكن الإِنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه أو أثر لكونه بعضاً منه. وأنث في قوله: منها ذهاباً، إلى لفظ النفس، ثم ذكر في قوله: ليسكن، حملاً على معنى النفس ليبين أن المراد بها الذر آدم أو غيره، وكان الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويتغشاها فكان التذكير أحسن طباقاً للمعنى.﴿ فَلَماَّ تَغَشَّاهَا ﴾ التغشي والغشيان كناية عن الجماع. ومعنى الخفة أنها لم تلق به من الكرب ما يعرض لبعض الحبالى، وحملاً مصدر أو أن يكون ما في البطن. والحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة، بالكسر ما كان على ظهر أو على رأس غير شجرة.﴿ فَمَرَّتْ بِهِ ﴾ قال الحسن: استمرت به أو فمضت به إلى وقت ميلاده من غير إخراج ولا إزلاق.﴿ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ ﴾ أي دخلت في الثقل، كما تقول: أصبح وأمسى. أو صارت ذا ثقل كما تقول: أثمر الرجل وألبن إذا صار ذا ثمر ولبن.﴿ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا ﴾ أي مالك أمرهما. ومتعلق الدعاء محذوف يدل عليه جملة جواب القسم أي دعوا الله ورغبا إليه في أن يؤتيهما صالحاً ثم أقسما على أنهما يكونان من الشاكرين أن آتاهما صالحاً. وقال الزمخشري: في الكلام محذوف تقديره جعل أولادهما شركاء فيما آتاهما بدليل: فتعالى الله عما يشركون، فجمع لأن آدم وحواء معصومان عن الشرك فتعين أن المراد أولادهما. وقرأ السُلمى عما تشركون بالتاء خطاب للكفار وكذلك الياء. وتمت قصة آدم وحواء عند قوله: فيما آتاهما، ثم استأنف تنزيه الله تعالى وتقدسيه عما وقع من الكفار من الإِشراك بالله، ويدل عليه انتقال الكلام من قصة آدم وحواء إلى حال الكفار الآيات الجائية بعد هذا وهو قوله: أيشركون، الآية، وصدر الآية في قوله: هو الذي خلقكم، إذ ضمير الخطاب يشمل المشركين وغيرهم ومنصب آدم عليه السلام منزه عن أن يجعل لله شريكاً إذ هو نبي مرسل مكلم. وقرىء: شركاً بالإِفراد وشركاء بالجمع.﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ﴾ أي أيشركون الأصنام وهي لا تقدر على خلق شىء كما يخلق الله تعالى.﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ أي يخلقهم الله تعالى ويوجدهم كما أوجدكم ويحتمل أن يكون وهم عائداً على ما عاد عليه ضمير الفاعل في أيشركون أي وهؤلاء المشركون يخلقون أي كما يجب أن يعتبروا لكونهم مخلوقين فيجعلوا إلههم خالقهم لا من لا يخلق شيئاً.﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ ﴾ الظاهر أن الخطاب للكفار انتقل من الغيبة إلى الخطاب على سبيل الإِلتفات والتوبيخ على عبادة غير الله تعالى. ويدل على أن الخطاب للكفار قوله: بعد أن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم. وضمير المفعول عائد على ما عادت عليه الضمائر قيل: وهي الأصنام، والمعنى وإن تدعو هذه الأصنام إلى ما هو هدى ورشاد، أو إلى أن يهدوكم كما تطلبون من الله الهدى والخير.﴿ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ ﴾ على مرادكم ولا يجيبونكم، أي ليست فيهم هذه القابلية لأنها جماد لا تعقل. وعادل همزة الاستفهام في قوله: أدعوتموهم، بقوله: أم، والجملة الإِسمية بعدها من المبتدأ والخبر لأنها في معنى الفعل إذ التقدير أم صمتم وحسن المجيء بالجملة الإِسمية كونها فاصلة كالفواصل قبلها. قال ابن عطية: وفي قوله: أدعوتموهم أم أنتم صادقون، عطف الإِسم على الفعل إذ التقدير أم صَمَتُم. ومثل هذا قول الشاعر: سواء عليك النفر أم بت ليلة بأهل القباب من نمير بن عامرانتهى. ليس هذا من عطف الإِسم على الفعل إنما هو من عطف الجملة الإِسمية على الجملة الفعلية، وأما البيت فليس من عطف الإِسم على الفعل بل من عطف الجملة الفعلية على الإِسم المقدر بالجملة الفعلية إذ أصل التركيب سواء عليك أنفرت أم بت ليلة فأوقع النفر موقع أنفرت. وتقدم الكلام في سواء وعلى ما بعدها في أوائل البقرة.