﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ ﴾ الظاهر ان الضمير في يحلفون عائد على الذين يقولون هو إذن أنكروه وحلفوا أنهم ما قالوه. واللام في " ليرضوكم " لام كي. قال ابن عطية: مذهب سيبويه أنهما جملتان حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها والتقدير عنده والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه. ومذهب المبرد ان في الكلام تقديماً وتأخيراً وتقديره والله أحق أن يرضوه ورسوله. " انتهى ". فقوله مذهب سيبويه أنهما جملتان حذفت الأولى إن كان الضمير في أنهما جملتان عائداً على كل واحدة من الجملتين، فكيف يقول: حذفت الأولى، ولم تحذف الأولى إنما حذف خبرها وإن كان الضمير عائداً على الخبر وهو أحق أن يرضوه، فلا تكون جملة إلا باعتقاد كون أن يرضوه مبتدأ وأحق المتقدم خبره لكن لا يتعين هذا القول، إذ يجوز أن يكون الخبر مفرداً بأن يكون التقدير أحق بأن يرضوه، وعلى التقدير الأول يكون التقدير والله إرضاؤه أحق. وقدره الزمخشري: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك. " انتهى ". وفي تقديره تفكيك للكلام حيث جعل أحق أن يرضوه خبراً عن قوله: والله، فنوى به التقديم وأضمر خبراً لقوله: ورسوله، وقدره كذلك. والذي نقول: انه لما كانت طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة لله تعالى كما قال:﴿ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ ﴾[النساء: ٨٠]، صارا لذلك متلازمين كالشىء الواحد فأخبر عنهما إخبار الواحد فأفرد الضمير، كما قال الشاعر: بها العينان تنهل ولم يقل: تنهلان. وقالت العرب: رب يوم وليلة مرّ بي. يُريد مرّا بي، فأفرد الضمير لتلازمهما.﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ ﴾ أي لم يعلم المنافقون، وهو استفهام معناه التوبيخ والإِنكار. وقرىء: بالتاء وهو التفات. خرج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب، واسم ان هو ضمير الأمر والشأن، وخبر ان هو جملة الشرط والجزاء، فمن مبتدأ ويحادد مجزوم به. قال ابن عباس: المحادة هنا المخالفة، ويحادد خبر لمن، والفاء داخلة في جواب الشرط وينسبك من أن وما بعدها مصدر خبر لمبتدأ محذوف تقديره فجزاؤه كينونة النار له. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون فإِنّ له معطوفاً على أنه على أن جواب من محذوف تقديره ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فإِنّ له نار جهنم. " انتهى ". فيكون فإِن له نار جهنم في موضع نصب. وهذا الذي قدره لا يصح لأنهم نصوا على أنه إذا حذف الجواب لدلالة الكلام عليه كان فعل الشرط ماضياً في اللفظ أو مضارعاً مجزوماً بلم، فمن كلامهم: أنت ظالم إن فعلت، ولا يجوز أنْ تفعل. وهنا حذف جواب الشرط، وفعل الشرط ليس ماضي اللفظ ولا مضارعاً مقروناً بلم وذلك ان جاء في كلامهم فمخصوص بالضرورة، وأيضاً فتجد الكلام تاماً دون تقدير هذا الجواب.﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ الآية، قال ابن كيسان: وقف جماعة منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة عند مرجعه من تبوك ليفتكوا به فأخبره جبريل عليه السلام. فنزلت. وقيل: في غزوة تبوك أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها هيهات هيهات. فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ ﴾.
والظاهر أن يحذر خبر ويدل عليه:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ فقيل: هو واقع منهم حقيقة لما شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما يكتمونه وقع الحذر والخوف في قلوبهم.﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾ أي ولئن سألتهم عما قالوا من القبيح في حقك وحق أصحابك من قول بعضهم: أنظروا إلى هذا الرجل، يريد أن تفتح له قصور الشام. وقول بعضهم: كأنكم بهم غداً في الجبال أسْرى لبني الأصفر. وقول بعضهم: ما رأيت كهؤلاء أرغب بطوناً ولا أكثر كذباً ولا أجْبن عند اللقاء. فأطلع الله نبيّه على ذلك فعنّفهم، فقالوا: يا نبي الله ما كنا في شىء من أمرك ولا أمر أصحابك إنما كنا في شىء مما يخوض فيه الركب كنا في غير جد. فنزلت.﴿ قُلْ أَبِٱللَّهِ ﴾ الآية، تقرير على استهزائهم وضمنه الوعيد ولم يعْبأْ باعتذارهم لأنهم كانوا كاذبين فيه فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم وبأنه موجود منهم حتى وبخوا بأخطائهم موضع الاستهزاء حيث جعل المستهزأ به على حرف التقرير وذلك إنما يستقيم بعد وقوع الاستهزاء وثبوته وهو حسن، وتقديم وبالله وهو معمول خبر كان عليها يدل على جواز تقديمه عليها. وعن ابن عمر قال:" رأيت قائل هذه المقالة يعني إنما كنا نخوض ونلعب، واسمه وديعة بن ثابت متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يماشيها والحجارة تنكته وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ".﴿ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ نهوا عن الاعتذارات لأنها اعتذارات كاذبة فهي لا تنفع. قد كفرتم: أظهرتم الكفر. بعد إيمانكم، أي بعد إظهار إيمانكم، لأنهم كانوا يسرون الكفر فأظهروه باستهزائهم وجاء التقسيم بالعفو عن طائفة والتعذيب لطائفة، وكان المنافقون صنفين: صنف أمر بجهادهم، جاهد الكفار والمنافقين وهم رؤساؤهم المعلنون بالأراجيف فعذبوا بإِخراجهم من المسجد وانكشاف معظم أحوالهم، وصنف ضعفة مظهرون الإِيمان وان أبطنوا الكفر لم يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفى عنهم، وهذا العذاب والعفو في الدنيا. وقيل: العفو عمّن علم الله أنهم سيخلصون من النفاق ويخلصون الإِيمان. والمعذبون من مات منهم على نفاقه. وقرىء: ان تعف مبنياً للمفعول التقدير ان تعف هذه الذنوب.