﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ هذا استبعاد لما أخبر به عنهم من القتل والاجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم، وأنتم: مبتدأ وخبره اسم الاشارة. وتقتلون: حال ومن كلامهم ها أنت ذا قائماً، وها لنا ذا قائماً والمقصود من حيث المعنى الاخبار بالحال. وترى: تقتلون - مخففاً ومشدداً -.﴿ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ ﴾ كان بنو قينقاع حلفاء الأوس وأعداء قريظة، وكان بنو قريظة والنضير حلفاء الخزرج وقريظة والنضير إخوان كما أن الأوس والخزرج إخوان ثم افترقوا فصارت النضير حلفاء الخزرج، وقريظة حلفاء الأوس، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه فإِذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم، وإذا أسر الرجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فعيّرتهم العرب بذلك وقالوا: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم فيقولون أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحي أن نذل حلفاءنا. وقرىء ﴿ تَظَاهَرُونَ ﴾ بإِدغام التاء في الظاء، وتظاهرون بحذف التاء، وتتظاهرون بتاءين، وتظهرون بشد الظاء والهاء، وتظاهرون: مضارع ظاهر. والتظاهر: هو التعاون والتناصر والاثم ما يستحق متعاطيه الذم أو ما تنفر منه النفس ولا يطمئن إليه القلب. والعدوان: الاعتداء وهو مجاوزة الحد في الظلم. وقرىء ﴿ أُسَارَىٰ ﴾ وأسرى.﴿ تُفَادُوهُمْ ﴾ وتفدوهم: أي لا يناسب من أسأتم إليهم بالإِخراج أن تحسنوا إليهم بالفداء.﴿ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ﴾ تقدم قتل النفس والاخراج من الديار والتظاهر والمفاداة وأكد الاخراج بالنص على تحريمه وإن كان ما سبق محرماً لما فيه من الجلاء والنفي لا ينقطع شره إلا بالموت، بخلاف القتل وإن كان فيه إفساد الصورة لكن فيه انقطاع الشر وهو ضمير الشأن. ومحرم: خبر مقدم. وإخراجهم: مبتدأ. والجملة: خبر عن ضمير الشأن. (ووقع لابن عطية في إعراب وهو محرم عليكم إخراجهم أقوال) تنتقد ذكرناها في البحر.﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ استفهام توبيخ أي ببعض الكتاب الالهي من التوراة وما أنزل على أنبيائكم وتكفرون ببعض من الكتاب الالهي كالانجيل والقرآن المنزل على محمد وذلك كله حق منزل من عند الله فالتفريق بينهما كفر وضلال.﴿ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ ﴾ الجزاء يطلق في الخير. وجزاءهم بما صبروا جنة. وفي الشر فجزاؤه جهنم. والخزي: الفضيحة والقصاص فيمن قتل فإِن كان الخطاب في أفتؤمنون لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم جاز أن يراد بالخزي.﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ ضرب الجزية عليهم وقتل قريظة وإجلاء النضير إلى اريحاء واذرعات.﴿ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ ﴾ أي يصيرون.﴿ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ ﴾ وهو الخلود في النار دائماً وقرىء يردون بالياء اعتباراً بقوله: من يفعل ذلك، وبالتاء اعتباراً بقوله:﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ ﴾ أو التفات بالنسبة إلى من يفعل. وقرىء يعملون بالياء وبالتاء.﴿ أُولَـٰئِكَ ﴾ إلى الذين تقدم ذكرهم من اليهود الجامعين لتلك الأوصاف القبيحة.﴿ ٱشْتَرَوُاْ ﴾ مجاز عن إيثار العاجل الفاني على الأجل الباقي والمشتري للشيء هو المؤثر لتحصيله والثمن المبذول فيه مرغوب عنه. وأولئك: مبتدأ. والذين: خبره.﴿ فَلاَ يُخَفَّفُ ﴾ معطوف على الصلة من عطف الجمل فلا يشترط اتحاد الزمان، كما تقول: جاءني الذي قتل زيداً أمس وسيقتل أخاه غداً فلا يخفف أي يبقى على شدته.﴿ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ أى لا يجدون من يدفع عنهم ما حل بهم من عذاب الله وهي جملة اسمية معطوفة على فعل أو يرتفع هم على أنه مفعول لم يسم فاعله فيكون من باب الاشتغال.


الصفحة التالية
Icon