﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ﴾ الآية، تقدم تفسيرها في الأعراف.﴿ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾ أي المتصف بالإِيجاد والتدبير والكبرياء، وهو ربكم الناظر في مصالحكم فهو المستحق للعبادة إذ لا يصلح للعبادة إلا هو تعالى فلا تشركوا به بعض خلقه.﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ حض على التدبير والتفكر في الدلائل الدالة على ربوبيته وإمحاض العبادة له تعالى.﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ الآية، ذكر ما يقتضي التذكر وهو كون مرجع الجميع إليه، وأكد هذا الاخبار بأنه وعد الله الذي لا شك في صدقه، ثم استأنف الاخبار، وفيه معنى التعليل بابتداء الخلق. وإعادته وان مقتضى الحكمة بذلك هو جزاء المكلفين على أعمالهم وانتصب وعد الله حقاً على أنهما مصدر أن مؤكد أن لمضمون الجملة والتقدير وَعَدَ الله وعْداً فلما حذف الناصب أضاف المصدر إلى الفاعل وذلك كقوله تعالى:﴿ صِبْغَةَ ٱللَّهِ ﴾[البقرة: ١٣٨].
والتقدير في حقاً حق ذلك حقاً. وقيل: انتصب حقاً بوعد على تقدير في أيْ وعد الله في حق. وقال علي بن سليمان: التقرير وقت حق وأنشد: أحقاً عباد الله ان لست والجا ولا خارجاً إلا على رتيب﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً ﴾ الآية، لما ذكر تعالى الدلائل على ربوبيته من إيجاد هذا العالم العلوي والسفلي ذكر ما أودع في العالم العلوي من هذه الجوهرين النيرين المشرقين، فجعل الشمس ضياء أي ذات ضياء أو مضيئة أو نفس الضياء مبالغة، وجعل يحتمل أن تكون بمعنى صيّر فيكون ضياء مفعولاً ثانياً، ويحتمل أن تكون بمعنى خلق فتكون حالاً.﴿ وَٱلْقَمَرَ نُوراً ﴾ أي ذا نور أو منوراً أو نفس النور مبالغة، إذ هما مصدران ولما كانت الشمس أعظم جرماً خصت بالضياء لأنه هو الذي له سطوع ولمعان، وهو أعظم من النور. والظاهر عود الضمير على القمر أي مسيره منازل أو قدره ذا منازل. وعاد الضمير عليه وحده لأنه هو المراعي في معرفة عدد السنين والحساب عند العرب. والمنازل: هي البروج. وكانت العرب تنسب إليها الانواء وهي ثمانية وعشرون منزلة: الشرطين، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانان، والاكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرع المقدم، والفرع المؤخر، والرشا وهو الحوت. واللام متعلقة بقوله: وقدره منازل.﴿ إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾ اختلافهما تعاقبهما وكون أحدهما يخلف الآخر.﴿ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ من الاجرام النيرة التي فيها، والملائكة المقيمن بها، وغير ذلك مما يعلمه الله تعالى والأرض في الجوامد والمعادن والنبات والحيوان، وخص المتقين لأنهم الذين يخافون العواقب فيحملهم الخوف على تدبرهم ونظرهم.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾ الظاهر أن الرجاء هو التأميل والطمع أي لا يؤملون لقاء ثوابنا وعقابنا، أو معنى لا يخافون. والظاهر أن قوله: والذين هم هو قسم من الكفار غير قسم الأول وذلك لتكرير الموصول فيدل على المغايرة ويكون معطوفاً على اسم ان ويكون أولئك إشارة إلى صنفي الكفار ذي الدنيا المتوسع فيها الناظر في الآيات، فلم يؤثر عنده رجاء لقاء الله بل رضي بالحياة الدنيا لتكذيبه بالعبث والجزاء، والعادم التوسع الغافل عن آيات الله الدالة على الهداية. ويحتمل أن يكون من عطف الصفات فيكون الذين هم عن آياتنا غافلون هم الذين لا يرجون لقاء الله. والظاهر ان واطمأنوا بها عطف على الصلة. ويحتمل أن تكون واو الحال أي وقد اطمأنوا بها. والآيات قيل: آيات القرآن أو العلامات الدالة على الوحدانية والقدرة.