﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ﴾ الآية، قال ابن عباس وابن الكلبي: نزلت في المستهزئين بالقرآن من أهل مكة، قالوا: يا محمد أئت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك والتبديل يكون في الذات بأن تجعل ذات بدل ذات أخرى، ويكون في الصفة وهو أن يزال بعض نظمه بأن يجعل مكان آية العذاب أية الرحمة ولما كان الإِتيان بقرآن غير هذا غير مقدور للإِنسان لم يحتج إلى نفيه ونفي ما هو مقدور للإِنسان وإن كان مستحيلاً ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم فقيل له: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي.﴿ قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ ﴾ الآية، هذه مبالغة في التبرئة مما لو طلبوا منه، أي أن تلاوته عليهم هذا القرآن إنما هو لمشيئة الله تعالى وإحداثه أمر عجيباً خارجاً عن العادات وهو أن يخرج رجل أمّي لم يتعلم ولم يسمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره ولا نشأ في بلدة فيها علماء فيقرأ عليكم كتاباً فصيحاً يبهر كلام كل فصيح ويعلو كل منثور ومنظور مشحوناً بعلوم من الأصول والفروع، واخبار ما كان وما يكون ناطقاً بالغيوب التي لا يعلمها إلا الله تعالى. وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطّلعون على أحواله ولا يخفى عليكم شىء من أسراره، ولا سمعتم منه حرفاً من ذلك، ولا عرفه به أحد من أقرب الناس منه وألصقهم به. ومفعول شاء محذوف، أي قل لو شاء الله أن لا أتلوه. وجاء جواب لو على الفصيح من عدم إثبات اللام لكونه منفياً بما. ويقال: دريت به وأدريت زيداً به. والمعنى ولا أعلمكم به على لساني، ونبه على أن ذلك وحي من الله بإِقامته فيهم عمراً وهو أربعون سنة من قبل ظهور القرآن على لساني يافعاً وكهلاً، لم تجربوني في كذب ولا تعاطيت شيئاً من هذا ولا عانيت اشتغالاً فكيف أتهم باختلاقه. والظاهر عود الضمير في من قبله على القرآن.﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ الضمير عائد على كفار قريش الذين تقدمت محاوراتهم. و ﴿ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ هو الاصنام جماد لا تقدر على نفع ولا ضر. قيل: ان عبدوها لم تنفعهم وإن تركوها لم تضرهم، ومن حق المعبود أن يكون مثيباً على الطاعة معاقباً على المعصية، وكان أهل الطائف يعبدون اللات وأهل مكة يعبدون العزى ومناة واساف ونائلة وُهبَل. وفي قوله: من دون الله، دلالة على أنهم يعبدون الأصنام ولا يعبدون الله. قال ابن عباس: يعنون في الآخرة، أي النفع والضر.﴿ أَتُنَبِّئُونَ ﴾ استفهام على سبيل التهكم بما ادعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام واعلام بأن الذين أنبئوا به باطل غير منطو تحت الصحة فكأنهم يخبرونه بشىء لا يتعلق به علمه.﴿ وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ تقدم الكلام عليها في البقرة. و " الكلمة " هنا هو القضاء والتقدير لبني آدم بالآجال المؤقتة.﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ ﴾ الآية هذه من اقتراحهم وكانوا لا يعتقدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة من الآيات، دقيقة المسلك من بين المعجزات. وجعلوا نزولها كلا نزول فكأنه لم ينزل عليه شىء قط، حتى قالوا: لولا أنزل عليه آية من ربه واحدة، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد وانهماكهم في الغيّ به.﴿ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ ﴾ أي هو سبحانه المختص بعلم الغيب المستأثر به لا علم لي ولا لأحد به، يعني أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو.﴿ فَٱنْتَظِرُوۤاْ ﴾ نزول ما اقترحتموه.﴿ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ ﴾ بما يفعل الله تعالى بكم لعنادكم وجحدكم الآيات وجحدكم من جاء بها.