﴿ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ أي الآيات الواضحة.﴿ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ ﴾ أي من بعد مجيئه لكم بالآيات.﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ﴾ كرر هذا لدعواهم أنهم مؤمنون بما أنزل عليهم وهم كاذبون إذ في التوراة افراد الله تعالى بالعبادة لا عبادة العجل وهناك أعقب عبادة العجل بذكر العفو عنهم وتعداد النعم عليهم وهنا أعقب ذلك بالتقريع لهم والتوبيخ.﴿ وَٱسْمَعُواْ ﴾ أي متدبرين لما سمعتم أو أطيعوا.﴿ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ قال ابن عباس: كانوا إذا نظروا العذاب قالوا سمعنا وأطعنا وإذا نظروا إلى الكتاب.﴿ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ ﴾ معطوف على قالوا أو حال أي وقد اشربوا والعامل قالوا.﴿ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ ﴾ أي حب العجل والاشراب المخالطة.﴿ بِكُفْرِهِمْ ﴾ الباء للسبب أي الحامل لهم على عبادة العجل كفرهم السابق.﴿ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ ﴾ تقدم اختيارنا في إعراب ما والمخصوص بالذم محذوف أي عصيانكم وعبادتكم العجل وإيمانكم على سبيل التهكم أو إيمانكم الذي زعموا في قلوبهم نؤمن بما أنزل علينا.﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ قد يخرج الشرط على جهة الامكان ومعلوم من خارج أنه ليس على جهة الامكان بل متعين امتناعه كقوله:﴿ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ﴾[المائدة: ١١٦] ومعلوم أنه لم يقله. وكذلك هذا معلوم أنهم غير مؤمنين. وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله أي فبئسما يأمركم به إيمانكم.(وقال ابن عطية): الجواب متقدم ولا يتمشى قوله هذا إلا على مذهب من يجيز تقدم جواب الشرط وليس مذهب جمهور البصريين ولو فرضناه جواباً للزوم دخول الفاء، لأن الفعل الجامد أو الدعاء إذا وقع جواباً لزمته الفاء. وقيل: إن نافية، قالت اليهود: إن الله لم يخلق الجنة إلا لإِسرائيل وبنيه، فنزلت:﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً ﴾ والدار الآخرة الجنة وذلك معهود في إطلاقها أو على حذف مضاف أي نعيم الدار الآخرة وحضرتها ومعنى عند الله: في حكم الله. كقوله:﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ ﴾[النور: ١٣].
وخالصة: مختصة بكم لاحظ لغيركم فيها وخبر كانت لكم. وخالصة حال. ولا يجوز أن يكون الظرف إذ ذاك الخبر لأنه لا ليستقل معنى الكلام به وحده ودون لفظة تستعمل للاختصاص وقطع الشركة تقول: هذا لي دونك أو من دونك، أي لا حق لك فيه ولا نصيب وفي غير هذا الاستعمال تأتي بمعنى الانتقاص في المنزلة أو المكان أو للمقدار والمراد بالناس غير اليهود.﴿ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ ﴾ أي بقلوبكم وسلوه بالقول.﴿ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في دعواكم خلوص الجنة لكم وحدكم. وقرىء: فتمنوا الموت - بكسر الواو وبالفتح والضم - وجواب الشرط محذوف، أي فتمنوه لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اختار أن يتخلص من دار الأكدار وينتقل إلى دار القرار.﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ﴾ هذا من المعجزات لأنه اخبار بالمغيب كقوله:﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ ﴾[البقرة: ٢٤].
وفي الحديث:" لو تمنوا الموت لَغُصّ كل إنسان بريقه فمات مكانه ولما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات "ولما علم اليهود صدقه أحجموا عن تمنيه فرقاً من الله أن يميتهم. وابدا: يقتضي استغراق أعمارهم خلافاً لمن زعم أن ذلك مختص بعهد الرسول عليه السلام ثم ارتفع بوفاته أو كان ذلك في أيام كثيرة عند نزوله.﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من تكذيب الأنبياء وقتلهم إياهم وعبادة العجل وغير ذلك من مخازيهم وأسند التقديم لليد إذ هي عظم الأعضاء في التصرف.﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ ﴾ تهديد.