﴿ قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ ﴾ الآية فليمدد يحتمل أن يكون على معناه من الطلب ويكون دعاء وكان الأصل منا ومنكم مد الله له أي أملى له حتى يؤول إلى عذابه وكان الدعاء على صيغة الطلب لأنه الأصل ويحتمل أن يكون خبراً في المعنى وصورته صورة الأمر تقديره فيمد له كما جاء في الأمر يراد به الخبر في قول الشاعر: وكوني بالمكارم ذكريني أي تذكرينني فأوقع الأمر وأراد به الخبر وحتى غاية لما قبله وجمع الضمير في رأوا حملاً على معنى من بعد حمله مفرداً في كان وفي له إما العذاب في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسراً وإظهار الله تعالى دينه على الدين كله على أيديهم وأما يوم القيامة وما ينالهم من العذاب والنكال فيحينئذٍ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه وأنهم شر مكاناً وأضعف جنداً لا خير مقاماً وأحسن ندياً وان المؤمنين على خلاف صفتهم * ولما ذكر امداد الضلال لهم في ضلالاتهم وارتباكهم في الافتخار بنعم الدنيا عقب ذكر ذلك بزيادة هدى للمتقين المهتدين وبذكر الباقيات الصالحات التي هي بدل من تنعيمهم في الدنيا التي تضمحل ولا تثبت * وقال الزمخشري: ويزيد معطوف على موضع فليمدد لأنه واقع موقع الخبر تقديره من كان في الضلالة مداً ويمد له الرحمن ويزيد أي يزيد في ضلال الضلال بخذلانه ويزيد المهتدي هداية بتوفيقه " انتهى " لا يجوز أن يكون ويزيد معطوفاً على موضع فليمدد سواء كان دعاء أم خبراً بصورة الأمر لأنه في موضع الخبر ان كانت من موصولة أو في موضع الجواب إن كانت من شرطية وعلى كلا التقديرين فالجملة من قوله: ويزيد الله الذين اهتدوا عارية من ضمير يعود على من يربط جملة الخبر بالمبتدأ وجملة الشرط بالجزاء الذي هو فليمدد وما عطف عليه لأن المعطوف على جملة الجزاء جزاء وإذا كانت أداة الشرط إسماً لا ظرفاً تعين أن يكون في جملة الجزاء ضميراً أو ما يقوم مقامه وكذا في الجملة المعطوف عليها أي مرجعاً وتقدم تفسيره في الباقيات الصالحات في الكهف.﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ ﴾ الآية قيل نزلت في العاص بن وائل عمل له خباب بن الأرت وكان قيناً أي حداداً فاجتمع له عنده دين فتقاضاه فقال لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقال خباب: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ويبعثك، فقال العاص: أو مبعوث أنا بعد الموت فقال خباب: نعم، قال فإِنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك والهمزة في أطلع للإِستفهام ولذلك عادلتها أم ومفعول أرأيت الأول الذي كفر والمفعول الثاني جملة الاستفهام التي هي أطلع وما بعدها وتقدم الكلام على أرأيت في الأنعام عند الرحمن عهداً أي: له عمل صالح قدمه فهو يرجو بذلك ما يقول وكلا حرف ردع وزجر وتنبيه على الخطأ أي فهو مخطىء فيما يصوره لنفسه ويتمناه فليرتدع عنه ولم يجيء كلاً فيما تقدم تفسيره من القرآن.﴿ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ﴾ كني بالكتابة عما يترتب عليها من الجزاء فلذلك دخلت السين التي للاستقبال أي سنجازيه على ما يقوله:﴿ وَنَمُدُّ لَهُ ﴾ أي نطول له من العذاب الذي يعذب به المستهزؤون أي نزيده من العذاب ونضاعف له من المد.﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾ أي نسلبه المال والولد فيكون كالوارث له.﴿ وَيَأْتِينَا فَرْداً ﴾ أي بلا مال ولا ولد واللام في ليكونوا لام كي، يكونوا الآلهة لهم عزاً يتعززون بها في النصرة والمنعة والإِنقاذ من العذاب والظاهر أن الضمير في سيكفرون عائد على أقرب مذكور محدث عنه فالمعنى أن الآلهة سيجحدون عبادة هؤلاء إياهم ويحتمل أن يكون الضمير للمشركين ينكرون لسوء العاقبة إن يكونوا كما قالوا﴿ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾[الأنعام: ٢٣].
﴿ ضِدّاً ﴾ قال ابن عباس: أعوانا.﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ الآية أرسلنا معناه سلطنا ولذلك عداه بعلى ومعنى تؤزهم أي تحركهم إلى الكفر.﴿ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ﴾ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى لا تعجل عليهم بأن يهلكوا.﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً ﴾ أياماً محصورة وأنفاساً معدودة كأنها في سرعة تقضيها تعدو عدي نحشر بإِلى الرحمن تعظيماً لهم وتشريفاً وذكر صفة الرحمانية التي حضهم بها كرامة إذ لفظ الحشر فيه جمع من أماكن متفرقة وأقطار شاسعة على سبيل القهر فجاءت لفظة الرحمن مؤذنة بأنهم يحشرون إلى من يرحمهم ولفظة الوفد مشعرة بالإِكرام والتبجيل كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم ولفظة السوق فيه إزعاج وهو أن، وعدي بإِلى جهنم تفظيعاً لهم وتشنيعاً لحال مقرهم والورد مصدر ورد أي سار إلى الماء كما قال الشاعر: ردي ورد قطاة صما كدرية أعجبها ورد ألماًوأطلق الورد على العطاش تسمية للشىء بسببه إذ لا يرد الماء إلا من كان عطشاناً * والضمير في لا يملكون عائد على الخلق الدال عليهم ذكر المتقين والمجرمين إذ هم قسماه والاستثناء متصل ومن بدل من ذلك الضمير * وقال الزمخشري: ويجوز أن تكون يعني الواو في لا يملكون علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث والفاعل من اتخذ لأنه في معنى الجمع " انتهى " * لا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميراً وذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أنه لغة ضعيفة وأيضاً قالوا والألف والنون التي تكون علامات لا ضمائر لا يحفظ ما يجيء بعدها فاعلاً إلا بصريح الجمع وصريح التثنية أو العطف إما أن يأتي بلفظ مفرد يطلق على جمع أو على مثنى فيحتاج في إثبات ذلك إلى نقل عن العرب وأما عود الضمائر مثناة ومجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى والمجموع فمسموع معروف في لسان العرب على أنه يمكن قياس هذه العلامات على تلك الضمائر ولكن الأحوط أن لا يقال ذلك إلا بسماع * والعهد هنا قال ابن عباس: لا إله إلا الله محمد رسول الله.﴿ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ الضمير في قالوا عائد على بعض اليهود حيث قالوا: عزير ابن الله وبعض النصارى حيث قالوا: المسيح ابن الله وبعض مشركي العرب حيث قالوا الملائكة بنات الله.﴿ لَّقَدْ جِئْتُمْ ﴾ فيه التفات من ضمير الغيبة في قالوا: إلى ضمير الخطاب في جئتم زيادة تسجيل عليهم بالجراءة على الله والتعرض لسخطه وتنبيه على عظيم ما قالوا:﴿ شَيْئاً إِدّاً ﴾ الاد بفتح الهمزة والاد بكسرها العجب وقيل العظيم المنكر والادة الشدة وآدني الأمر أثقلني وعظم علي وقرىء: يكاد بالياء وبالتاء وقرىء: * يتفطرون وينفطرون ومعنى ينفطرن بتشققن منه أي من نسبة الولد إلى الله * وهدّا منصوب على الحال ومعناه هدماً وسقوطاً.﴿ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً ﴾ أن مع الفعل بتأويل المصدر وهو تعليل للأفعال قبله من الانفطار والانشقاق والخرور * قال الزمخشري: يجوز في أن دعوا ثلاثة أوجه أن يكون مجروراً بدلاً من الهاء في منه كقوله: على حالة لو أن في البحر حاتماً على جوده لضنّ بالماء حاتمومنصوباً بتقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل أي هذا لأن دعوا علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد ومرفوعاً بأنه فاعل هدا أي هدها دعاء الولد للرحمن " انتهى " الأول فيه بعد لكثرة الفصل بين البدل والمبدل منه بجملتين والثاني أيضاً فيه بعد لأن الظاهر أن هذا لا يكون مفعولاً له بل مصدر من معنى وتخر أو في موضع الحال والثالث أيضاً بعيد لأن ظاهر هدا أن يكون مصدراً توكيد يا والمصدر التوكيدي لا يعمل ولو فرضناه غير توكيدي لم يعمل بقياس إلا إن كان أمراً أو مستفهماً عنه نحو ضربا زيدا واضربا زيداً على خلاف فيه وأما أن كان خبراً كما قدره الزمخشري أي هدها دعاء الولد للرحمن فلا يقاس بل ما جاء من ذلك فهو نادر كقول امرىء القيس: وقوفاً بها صحبى على مطيهم أي وقف صحبي ومعنى دعوا نسبوا لله الولد وينبغي مطاوع لبغي بمعنى طلب أي وما يتأتى له اتخاذ الولد لأن الولد مستحيل وينبغي من الأفعال التي تتصرف وسمع فيها الماضي قالوا ابتغي وقد عدّها ابن مالك في التسهيل من الأفعال التي لا تتصرف وهو غلط * وكل مبتدأ مضافة إلى من الموصولة أي وكل الذي والخبر قوله: الا آتى وقال الزمخشري: من موصوفة لأنها وقعت بعد كل نكرة وقوعها بعد رب في قوله: * رب من انفجت غيظاً صدره *." انتهى " * الأولى جعلها موصولة لأن كونها موصوفة بالنسبة إلى الموصولة قليل * وانتصب عبداً على الحال ثم ذكر تعالى أنه أحصاهم وأحاط بهم وحصرهم بالعدد فلم يفته أحد منهم وانتصب فرداً على الحال أي منفرداً ليس معه أحد ممن جعلوه شريكاً له وخبر كلهم آتيه فرداً وكل إذا أضيف إلى معرفة ملفوظ بها نحو كلهم وكل الناس فالمنقول أنه يجوز أن يعود الضمير مفرداً على لفظ كل فتقول كلكم ذاهب ويجوز أن يعود جمعاً مراعاة للمعنى فتقول كلكم ذاهبون * والسين في سيجعل للاستقبال فاحتمل أن يكون هذا الجعل في الدنيا وهي بأداة الاستقبال لأن المؤمنين كانوا بمكة حال نزول هذه السورة وكانوا ممقوتين من الكفرة فوعدهم الله بذلك إذا ظهر الإِسلام وفشا واحتمل أن يكون ذلك في الدنيا لا على الإِطلاق ومعنى ودّا أي: محبة والضمير في يسرناه عائد على القرآن أي أنزلناه عليك ميسراً سهلاً بلسانك، أي: بلغتك وهو اللسان العربي المبين.﴿ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ أي تخبرهم بما يسرهم وبما يكون لهم من الثواب على تقواهم * واللدّ جمع ألدّ لدّا وهو الشديد الخصومة في الباطل.﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ تخويف لهم وإنذار بالاهلاك بالعذاب والضمير في قبلهم عائد على قوماً لدّا وهل تحس استفهام معناه النفي وكم خبرية بأهلكنا أي كثيراً أهلكنا ومن أحد مفعول بتحس ومن زائدة. والركز قال ابن عباس: الصوت الخفي.