﴿ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ بادرهم أولاً بالقول المنبه على دلالة العقل ثم بالفعل الذي يقتضي تقطيع أصنامهم وفك أجزائها فقال: وتالله لأكيدن والكيد الاحتيال في وصول الضرر إلى المكيد والظاهر أنه خاطب بها أباه وقومه وقوله:﴿ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾ أي إلى عيد كان لهم يحضرون له وتخلف هو عنهم لما يقصده.﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً ﴾ قبله محذوف تقديره فتولوا إلى عيدهم وقصد هو ما كان نواه فجعلهم أي الأصنام جذاذاً أي مفكوكة الأجزاء وقرىء: جذاذاً بضم الجيم وكسرها والجذ القطع وقوله:﴿ إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ ﴾ إستثناء من الضمير في فجعلهم أي فلم يكسره قيل وكانت الأصنام مصطفة وصنم منها عظيم مستقبل الباب من ذهب وفي عينيه درتان مضيئتان فكسرها بفاس إلا ذلك الصنم وعلق الفاس في عنقه وقيل في يده والضمير في لهم يحتمل أن يعود على الأصنام أو على عباده والكبر هنا عظم الجثة أو كبيراً عندهم في المنزلة لكونهم صاغوه من ذهب وجعلوا في عينيه جوهرتين مضيئتين بالليل والنهار والضمير في إليه عائد على إبراهيم أي فعل ذلك ترجياً منه بعقب ذلك رجعة إليه وإلى شرعه.﴿ قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا ﴾ الآية في الكلام محذوف تقديره فلما رجعوا من عيدهم إلى آلهتهم ورأوا ما فعل بها استفهموا على سبيل البحث والإِنكار فقالوا: من فعل هذا التكسير والتحطيم انه لظالم إلى اجترائه على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير.﴿ قَالُواْ ﴾ أي سمعوا قوله: وتالله لأكيدن أصنامكم يذكرهم بسوء.﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ يحتمل أن يكون جواباً لسؤال مقدر لما قالوا سمعنا فتى يذكرهم وأتوا به منكراً قيل من يقال له فقيل: يقال له إبراهيم وارتفع إبراهيم على أنه مقدر بجملة محكية يقال اما على النداء أي يقال له حين يدعي يا إبراهيم واما على خبر مبتدأ محذوف أي هو إبراهيم أو على أنه مفرد مفعول ما لم يسم فاعله ويكون من إِسناد للفظ لا المدلولة أي يطلق عليه هذا اللفظ.﴿ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ ﴾ أي أحضروه بمرأى منهم فعلى أعين الناس في موضع الحال وعلى معناها الاستعلاء المجازي كأنهم لتحديقهم إليه وارتفاع أبصارهم لرؤيته مستعل على أبصارهم.﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ جوابه إذا سألوه عن تلك الأصنام.﴿ قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا ﴾ أي الكسر والهشم.﴿ بِآلِهَتِنَا ﴾ وارتفاع أنت المختار أنه يفعل محذوف يفسره فعلت ولما حذف انفصل الضمير ويجوز أن يكون مبتدأ وإذا تقدّم الاسم في نحو هذا التركيب على الفعل كان الفعل صادراً واستفهم عن فاعله وهو المشكوك فيه وإذا تقدم الفعل كان الفاعل مشكوكاً فيه فاستفهم عنه أوقع ذلك أو لم يقع والظاهر أن بل للإِضراب عن جملة محذوفة أي قال: لم أفعله إنما الفاعل حقيقة هو الله تعالى.﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ﴾ وأسند الفعل إلى كبيرهم على جهة المجاز لما كان سبباً في كسر هذه الأصنام هو تعظيمهم وعبادتهم له ولما دونه من الأصنام كان ذلك حاملاً على تحطيمها وكسرها فأسند الفعل إلى الكبير إذ كان تعظيمهم له أكثر من تعظيم ما دونه.﴿ فَاسْأَلُوهُمْ ﴾ لا يريد حقيقة السؤال بل ذلك على سبيل التعجيز والاستهزاء بهم كأنه قال:﴿ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ فاسألوهم وهم لا ينطقون فلا يصح السؤال.﴿ فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ قال ابن عباس: حين عبدتم ما لا ينطق ولا يصلح للعبادة.﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾ أي ارتبكوا في ضلالهم وعلموا أن الأصنام لا تنطق فساءهم ذلك حين نبه على قيام الحجة عليهم ونكسهم كناية عن مجادلتهم ومكابرتهم.﴿ مَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ جملة منفية في موضع نصب معلق عنها الفعل الذي هو علمت قال:﴿ أَفَتَعْبُدُونَ ﴾ لما ظهرت الحجة له عليهم أخذ يقرعهم ويوبخهم بعبادة تماثيل لا تنفع ولا تضر ثم أبدى لهم التضجر منهم ومن معبوداتهم وتقدم الخلاف في أف في سبحان واللام في لكم لبيان المتأفف به أي لكم وللآلهتكم هذا التأفف ثم نبههم على ما تدرك به حقائق الأشياء وهو العقل فقال:﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ أي قبح ما أنتم عليه وهو استفهام توبيخ وإنكار.﴿ قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ ﴾ قالوا حرّقوه أي قال بعضهم لبعض: وقيل أشار بإِحراقه نمرود ولما نبههم على قبيح مرتكبهم واعلمهم بإِقامة الحجة عليهم لاذوا بالإِيذاء له والتعصب لآلهتهم واختاروا أشد العذاب وهو الإِحراق بالنار التي هي سبب للإِعدام المحض قال ابن عطية: روي أن الذي أشار بإِحراقه رجل من الأكراد من أعراب فارس أي باديتها فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة وروي أنهم اتخذوا منجنيقاً قيل بتعليم إبليس، إذ كان لم يصنع فشد إبراهيم رباطاً ووقع في كفه المنجنيق ورمي به فوقع في النار وروي أن جبريل عليه السلام جاءه وهو في الهواء فقاله له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا وعن ابن عباس إنما نجا إبراهيم عليه السلام بقوله: حسبي الله ونعم الوكيل.﴿ قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي ﴾ الآية، لما كانت النار تنفعل لما أراده الله منهما كما ينفعل من يعقل عبر عن ذلك بالقول ها والنداء والأمر.﴿ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً ﴾ المعنى ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كان ذاتها برد وسلام.﴿ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً ﴾ قيل هو إلقاؤه في النار.﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ ﴾ أي المبالغين في الخسران وهو إبطال ما راموه به * والضمير في ونجيناه عائد على إبراهيم وضمن معنى أخرجناه بنجاتنا إلى الأرض ولذلك تعدى نجيناه بإِلى ويحتمل أن يكون إلى متعلقاً بمحذوف تقديره منتهياً إلى الأرض فيكون في موضع الحال ولا تضمين في ونجيناه على هذا والأرض التي خرجا منها هي كوثى من أرض العراق والتي صار إليها هي أرض الشام * وبركتها ما فيها من الخصب والأنهار والأشجار وبعث أكثر الأنبياء منها وقيل أرض مصر وبركتها نيلها وزكاة زرعها وعمارة مواضعها وروي أن إبراهيم عليه السلام خرج مهاجراً إلى ربه ومعه لوط وكان ابن أخيه فآمنت به سارة وهي ابنة عمه هازان الأكبر فأخرجها معه فارا بدينه وفي هذه الخرجة لقي الجبار الذي رام أخذها منه فنزل حران ومكث بها زماناً ثم قدم مصر ثم خرج منها إلى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة على مسيرة يوم وليلة من السبع أو أقرب فبعثه الله نبياً * والنافلة العطية وكلا يشمل من ذكر إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب * يهدون بأمرنا يرشدون الناس إلى الدين * وأئمة قدوة لغيرهم وقرىء: أئمة بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإبدالها همزة محضة.﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ ﴾ أي خصصناهم بشرف النبوة لأن الإِيحاء هو التنبئة وفعل الخيرات بدأ أولاً في الإِيحاء بعام وهو فعل الخيرات ثم بخاص وهو إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وجاء إقام الصلاة بغير تاء التأنيث والقياس إقامة بالتاء كما تقول أطال إطالة قال ابن عطية: والإِقام مصدر وفي هذا نظر " انتهى " وأي نظر في هذا وقد نص سيبويه على أنه مصدر بمعنى الإِقامة وإن كان الأكثر الإِقامة بالتاء وهو المقيس في مصدر أفعل إذا اعتلت عينه وحسن حذف التاء هنا مقابلته لقوله: وإيتاء بغير تاء التأنيث وانتصب * ولوطاً على الاشتغال تقديره وآتينا لوطاً والحكم النبوة.﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ﴾ أي من عذاب أهل القرية والقرية سدوم وكانت قراهم سبعاً عبر عنها بالواحدة لاتفاق أهلها على الفاحشة ونسب عمل الخبائث إلى القرية مجازاً وهو لأهلها وانتصب الخبائث على معنى يعمل الاعمال أو الفعلات الخبيثة وهي ما ذكره تعالى في غير هذه السورة مضافاً إلى كفرهم بالله وتكذيبهم نبيه.﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ ﴾ أي في أهل رحمتنا أو في الجنة سماها رحمة إذ كانت أثر الرحمة ولما ذكر تعالى قصة إبراهيم عليه السلام وهو أبو العرب وتنجيته من أعدائه ذكر قصة أبي العالم الأنس كلهم وهو الأب الثاني لآدم لأنه ليس أحد إلا من نسله من حام وسام ويافث وانتصب.﴿ وَنُوحاً ﴾ على إضمار اذكر أي واذكر نوحاً أي قصته إذ نادى ومعنى نادى دعا مجملاً بقوله:﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ ﴾[القمر: ١٠] ومفصلاً بقوله:﴿ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ ﴾[نوح: ٢٦] الآيات والكرب أقصى الغم والأخذ بالنفس وهو هنا الغرق عبر عنه بأول أحوال ما يأخذ الغريق.﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ عطفاً على ونوحاً وكان داود ملكاً نبياً يحكم بين الناس فوقعت هذه النازلة وكان ابنه إذ ذاك قد كبر وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم وكانوا يدخلون إلى داود من باب ويخرجون من آخر فتخاصم إليه رجل له زرع وقيل كرم والحارث فعلى أنه كرم رأى أن الغنم تقاوم ما أفسدت من ثمن الغلة وعلى أنه زرع رأى أنها تقاوم الحارث والغلة فخرجا على سليمان فشكى صاحب الغنم فجاء سليمان فقال يا نبي الله إني أرى ما هو أرفق بالجميع أن يأخذ صاحب الغنم الحرث يقوم عليه ويصلحه حتى يعود كما كان ويأخذ صاحب الحرث الغنم في تلك المدة ينتفع بمرافقها من لبن وصوف ونسل فإذا عاد الحرث إلى حاله صرف كل مال صاحبه إليه فرجعت الغنم إلى ربها والحرث إلى ربه فقال داود: وفقت يا بني وقضى بينهما بذلك والنفش رعي الماشية بالليل بغير راع والهمل رعيها بالنهار بغير راع.﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ ﴾ المعنى وكنا للحكم الذي صدر في هذه القضية.﴿ شَاهِدِينَ ﴾ فالمصدر هنا لا يراد به العلاج بل يراد به وجود الحقيقة والضمير في:﴿ فَفَهَّمْنَاهَا ﴾ عائد على الحكومة أو الفتوى.﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ ﴾ ذكر ما امتاز به داود عن سليمان والظاهر أن يسبحن جملة من الجبال أي مسبحات والظاهر وقوله التسبيح منها بالنطق خلق الله تعالى فيها الكلام كما سبح الحصى في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع الناس ذلك وانتصب والطير عطفاً على الجبال ولا يلزم من العطف دخوله في قيد التسبيح وقيل هو مفعول معه أي يسجن مع الطير.﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ أي فاعلين هذه الأعاجيب من تسخير الجبال وتسبيحهن والطير لمن نخصه بكرامتنا * قال الزمخشري: فإِن قلت لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإِعجاز لأنها جماد والطير حيوان ناطق " انتهى " قوله: حيوان ناطق إن عني به أنه ذو نفس ناطقة كما يقولون في حد الإِنسان أنه حيوان ناطق فيلزم أن يكون الطير إنساناً وإن عني به أنه متكلم كما يتكلم الإِنسان فليس بصحيح وإنما عني به أنه مصوت أي له صوت ووصف الطير بالنطق مجاز لأنها في الحقيقة لا نطق لها.﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ اللبوس الملبوس فعول بمعنى مفعول كالركوب بمعنى المركوب وهو الدرع هنا واللبوس ما يلبس وقال الشاعر: عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابغ بيض لا يخرقها النبلامتن تعالى عليه بإِيتائه حكماً وعلماً وتسخير الجبال والطير معه وتعليم صنعة اللبوس وفي ذلك فضل هذه الصنعة إذ اسند تعالى تعليمها إياه إليه ثم امتن علينا بها بقوله:﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ ﴾ أي ليكون وقاية لكم في حربكم وسبب نجاة من عدوكم وقرىء: بالنون والياء والتاء فالنون ضمير الله والتاء عائد على الدروع والياء على اللبوس.﴿ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ استفهام يتضمن الأمر أي اشكروا الله على ما أنعم به عليكم لقوله تعالى:﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾[المائدة: ٩١]، أي: انتهوا عما حرم الله ولما ذكر تعالى ما خص به نبيه داود ذكر ما خص به ابنه سليمان فقال:﴿ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ ﴾ وجاء التركيب هنا حين ذكر تسخير الريح لسليمان باللام وحين ذكر تسخير الجبال جاء بلفظ مع فقال: وسخرنا مع داود الجبال وكذا يا جبال أوبي معه وقال فسخرنا له الريح تجري بأمره وذلك أنه لما اشتركا في التسبيح ناسب ذكر مع الدالة على الاستصعاب ولما كانت الريح مسخرة لسليمان أضيفت إليه بلام التمليك لأنها في طاعته وتحت أمره. و ﴿ عَاصِفَةً ﴾ حال العامل فيها سخرنا، ويقال: عصفت الريح فهي عاصف وعاصفة ولغة أسد أعصفت فهي معصفة ومعصف ووصفت هذه الريح بالعصف وبالرخاء والعصف الشدة في السير والرخاء اللين وقيل: كان ذلك بالنسبة إلى الوقت الذي يريد فيه سليمان أحد الوصفين فلم يتخذ الزمان وقيل الجمع بين الوصفين كونهما رخاء في نفسها طيبة كالنسيم عاصفة في عملها تبعد في مدة يسيرة كما قال عدوها شهر وردفها شهر وقيل الرخاء في البداءة والعصف بعد ذلك ولما ذكر تعالى تسخير الريح له وهي جسم شفاف لا يعقل ولا يدرك بالبصر ذكر تسخير الشياطين له وهم أجسام لطيفة تعقل والجامع بينهما أيضاً سرعة الانتقال ألا ترى إلى قوله:﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ ﴾[النمل: ٣٩] ومن في موضع نصب أي وسخرنا من الشياطين من يغوصون أو في موضع رفع على الابتداء والخبر في الجار والمجرور قبله وجمع الضمير في يغوصون حملاً على معنى من وحسن ذلك تقدم جمع قبله ومعنى يغوصون أي في البحار لاستخراج اللآلىء ودل الغوص على المغاص فيه وعلى ما يغاص لاستحزابه وهو الجوهر ومعنى له أي لسليمان لأن الغائص قد يغوص لنفسه ولغيره فذكر أن الغوص ليس لأنفسهم إنما هو لأجل سليمان وامتثالهم أمره والإِشارة بذلك إلى الغوص أي دون الغوص من بناء المدائن والقصور وغير ذلك كما قال تعالى:﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ ﴾[سبأ: ١٣] الآية، وقيل الحمام والنورة والطاحون والقوارير والصابون من استخراجهم.﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ أي من أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يغيروا أو يوجد منهم فساد فيما هم فيه مسخرون.﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ الآية روي أن أيوب كان رومياً من ولد إسحاق بن يعقوب استنبأه الله وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله فابتلاه الله بالمرض في بدنه.﴿ وَذَا ٱلْكِفْلِ ﴾ قيل كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً * وقال الأكثرون هو نبي.﴿ وَذَا ٱلنُّونِ ﴾ النون الحوت وذا بمعنى صاحب كما قال تعالى:﴿ نۤ وَٱلْقَلَمِ ﴾[القلم: ١] وانتصب.﴿ مُغَاضِباً ﴾ على الحال فقيل معناه غضباناً وقيل مغاضباً لقومه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه فأوعدهم بالعذاب ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج.﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي نضيق عليه من القدر لا من القدرة.﴿ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ ﴾ في الكلام جمل محذوفة قد أوضحت في والصافات وجمع الظلمات لشدة تكاثفها فإِنها ظلمة مع ظلمة وقيل ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل وروي أن يونس عليه السلام سجد سجدة في بطن الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر الماء.﴿ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ ﴾ أن تفسيرية لأنه سبق فنادى وهو فيه معنى القول ويجوز أن يكون التقدير بأنه فتكون مخففة من الثقيلة حصر الألوهية فيه تعالى ثم نزهه عن سمات النقص ثم أقر بما بعد ذلك وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له. و ﴿ ٱلْغَمِّ ﴾ ما كان ناله حين التقمه الحوت ومدة بقائه في بطنه.﴿ وَزَكَرِيَّآ ﴾ تقدم الكلام عليه في آل عمران.﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ روي أنها كانت سيئة الخلق فحسن الله خلقها والضمير في أنهم عائد على زكريا ويحيى والزوجة.﴿ رَغَباً وَرَهَباً ﴾ أي وقت الرغبة والرهبة.﴿ وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام والظاهر أن الفرج هنا حياء المرأة أحصنته أي منعته من الحلال والحرام وقيل الفرج أيضاً جيب قميصها وأضاف الروح إليه تعالى على جهة التشريف وأفرد آية لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة وهي ولادة مريم عيسى عليه السلام من غير فعل وإن كان في مريم آيات وفي عيسى آيات لكنه هنا لحظ أمر الولادة من غير ذكر وذلك هو آية واحدة * قال الزمخشري: فإِن قلت نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه قال الله تعالى:﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾[الحجر: ٢٩، ص: ٧٢] أي أحييته وإذا ثبت ذلك كان قوله: ونفخنا فيها من روحنا ظاهر الاشكال لأنه يدل على إحياء مريم * قلت: معناه نفخنا الروح في عيسى فيها أي أحييناه في جوفها ونحو ذلك أن يقول الزمار نفخت في بيت فلان أي نفخت في المزمار في بيته " انتهى " لا اشكال في ذلك لأنه على حذف مضاف أي: فنفخنا في ابنها روحنا وقوله: قلت: معناه نفخنا الروح في عيسى فيها استعمل نفخ متعدياً والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديته إلى سماع وغير متعد استعمله هو في قوله: نفخت في المزمار في بيته وقوله: للعالمين أي لمن اعتبر بها من عالمي زمانهم فمن بعدهم وناسب ذكر قصة زكريا وزوجه ويحيى للقرابة التي بينهم قال الشاعر: ألا رب مولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوانيريد عيسى وآدم صلى الله عليهما وسلم.