﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * حـمۤ * عۤسۤقۤ ﴾ الآية، قال ابن عباس هذه السورة مكية إلا أربع آيات من قوله: لا أسألكم إلى آخر الأربع الآيات ومناسبتها لآخر ما قبلها أنه قال: قل أرأيتم وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال لما كفروا به قال هنا.﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي مثل الإِيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء.﴿ يُوحِيۤ إِلَيْكَ ﴾ أي أن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع يتعهدك به وقتاً بعد وقت وقرىء: يوحى مبنياً للفاعل والجلالة فاعل وقرىء: يوحى مبنياً للمفعول والجار والمجرور في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله والجلالة فاعل بفعل محذوف تقديره بوحي الله.﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ أي أصناماً وأوثاناً.﴿ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ﴾ أعمالهم فيجازيهم عليها.﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴾ أي بمفوض إليك أمرهم ولا قائماً وما في هذا من الموادعة منسوخ بآية السيف.﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ أي مثل هذا الإِيحاء والقضاء إنك لست بوكيل عليهم.﴿ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ والظاهر أن قرآناً مفعول أوحينا. وقال الزمخشري: الكاف مفعول به لأوحينا وقرآناً عربياً حال من المفعول به أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربيّ لا ليس فيه عليك إذ نزل بلسانك " انتهى ". فاستعمل الكاف إسماً في الكلام وهو مذهب الأخفش لتنذر أم القرى أي سبب إيحائنا إليك هو الإِنذار ولا تكلف غيره وأم القرى مكة ولذلك عطف عليها ومن حولها والمفعول الثاني محذوف.﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ هم العرب.﴿ وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ ﴾ والمفعول الأول محذوف والثاني هو يوم الجمع أي اجتماع الخلائق والمنذر به هو ما يقع في يوم الجمع من الجزاء وانقسام الجمع إلى الفريقين واجتماع الأرواح والأجساد وأهل الأرض بأهل السماء والناس بأعمالهم.﴿ يَذْرَؤُكُمْ ﴾ يقال ذرأ الله الخلق أي بثهم وكثرهم. وقال ابن عباس يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها والضمير في فيه عائد على الجعل أي يخلقكم ويكثركم في الجعل.﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ تقول العرب مثلك لا يفعل هذا بمعنى أنت لا تفعل هذا فيكون المعنى في الآية ليس كهو أي كالله شىء وخرج على أن الكاف زائدة فكأنه قيل ليس شىء مماثل الله تعالى ويجوز أن يكون مثل بمعنى الصفة فتكون الكاف باقية على تشبيهها ليس كصفته شىء من الصفات.﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً ﴾ الآية لما كان نوح عليه السلام أول الرسل وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك ثم اتبع ذلك ما وصى به إبراهيم إذ كان أبا العرب وفي ذلك هزٌّ لهم وبعث على اتباع طريقته وموسى وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين لأنهما اللذان كان اتباعهما موجودين في زمان بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشرائع متفقة في العقائد وفي كثير من الأحكام كتحريم الزنى والقتل بغير حق والشرائع مجتملة على عقائد وأحكام ويقال ان نوحاً عليه السلام أول من أتى بتحريم البنات والأمهات وذوات المحارم ومعنى شرع اختار ويحتمل أن تكون مفسرة لأن ما قبلها هو بمعنى القول فلا موضع لها من الإِعراب وان تكون مصدرية فتكون في موضع نصب على البدل من ما وما عطف عليها ثم نهى عن التفرق فيه لأن الفرق سبب الهلاك والاجتماع والألفة سبب لنجاة.﴿ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ أي عظم وشق وما فاعل بكبر.﴿ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ ﴾ قال ابن عباس: يعني قريشاً والعلم محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي كما قال:﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾[فاطر: ٤٢] يريدون نبياً وقيل الضمير يعود على أمم الأنبياء جاءهم العلم فطال عليهم الأحد فآمن قوم وكفر قوم.﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ ﴾ أي عدة التأخير إلى يوم القيامة فحينئذٍ يقع الجزاء.﴿ لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ ﴾ أي لجوزوا بأعمالم في الدنيا.﴿ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ ﴾ هم بقية أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي من بعد أسلافهم أو هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإِنجيل.﴿ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ في إيصال ما أمرت به إليكم لا أخص شخصاً بشىء دون شخص الشريعة واحدة والأحكام مشترك فيها.﴿ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ﴾ أي قد وضحت الحجج وقامت البراهين وأنتم محجوجون فلا حاجة إلى إظهار حجة بعد ذلك.﴿ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ﴾ أي يوم القيامة فيفصل بيننا وما يظهر في هذه الآية من الموادعة منسوخ بآية السيف.﴿ وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ ﴾ أي يخاصمون في دينهم قال ابن عباس ومجاهد نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإِسلام واضلالهم ومحاجتهم بأن قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فديننا أفضل فنزلت الآية في ذلك.﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ﴾ أي باطلة لا ثبوت لها ولمّا ذكر تعالى الرزق ذكر حديث الكسب ولمّا كان الحرث في الأرض أصلاً من أصول المكاسب استعير لكل مكسب أريد به النماء والفائدة في قوله:﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ ﴾ أي من كان يريد عمل الآخرة ويسعى لها سعيها.﴿ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾ أي من في جزاء حرثه من تضعيف الحسنات.﴿ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ﴾ لأنه لم يعمل للآخرة شيئاً فالجملة الأولى وعد منجز والثانية مقيدة بمشيئته تعالى لمن يشاء وجاء فعل الشرط ماضياً والجواب مجزوماً كقوله:﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾[هود: ١٥].
ولا نعلم خلافاً في جواز الجزم وإنه فصيح المختار إلا ما ذكره صاحب كتاب الاعراب وهو أبو الحكم بن عذرة عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الكلام الفصيح وإنما يجيء مع ما كان لأنها أصل الأفعال ولا يجيء مع غيرها من الأفعال ونص كلام سيبويه والجماعة أنه لا يختص ذلك بكان بل سائر الأفعال في ذلك مثلها وأنشد سيبويه قول الفرزدق: دست رسولاً بأن القوم ان قدروا عليك يشفوا صدوراً ذات توغير