﴿ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ ﴾ الآية لما كانوا من نسل إبراهيم عليه السلام وعيّرت اليهود المؤمنين بتوجههم إلى الكعبة، ذكر ما ابتلي به إبراهيم واستطرد منه إلى ذكر البيت وبنائه على يد إبراهيم واسماعيل. والابتلاء: اختبار. وإبراهيم: اسم أعجمي. ويقال: ابراهام وابراهِمُ وابراهُمُ وابرَهَمُ وابرهُمُ وهو الجد الحادي والثلاثون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو خليل الله بن تارخ بن ناحور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر، وهو هود عليه السلام. وقرأ الجمهور: بنصب إبراهيم ورفع ربه. ومعنى ﴿ بِكَلِمَاتٍ ﴾ أي كلفه بأوامر ونواه. وهذا التركيب يوجب تقديم المفعول على الفاعل عند الجمهور وقد سمع ضرب غلامَهُ زيداً وهو مقيس عند بعض النحويين. ومن قرأ بالرفع في إبراهيم والنصب فيما بعده فكني عن الدعاء بالابتلاء به ربه أي يطلب من ربه في تلك الكلمات التي دعا بها الاجابة. وللمفسرين في تعيين الكلمات أقوال كثيرة مضطربة.﴿ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ ان كان الضمير عائداً على الله فالمعنى أكملهن الله له من غير نقص، أو على إبراهيم فالمعنى: قام بهن وبأعبائهن من غير نقص.﴿ قَالَ ﴾ استئناف فالعامل في إذ محذوف أو ليس باستئناف وهو العامل في إذ. وجاعل هنا بمعنى: مصيّر فيتعدى إلى اثنين. و ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ اما متعلقة بجاعلك أي لأجل الناس واما في موضع الحال لأنه نعت نكرة تقدمت أي.﴿ إِمَاماً ﴾ كائناً للناس. وإماماً: أي صاحب شرع يقتدي بك فيه.﴿ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ﴾ قال الزمخشري: عطف على الكاف كأنه قال وجاعل بعض ذريتي كما يقال لك: سأكرمك. فتقول: وزيداً. " انتهى ". ولا يصح العطف على الكاف ولو صرح بالمعطوف لأنها ضمير مجرور فالعطف عليها لا يكون إلا بالعامل ولم يعد ولأن من لا يمكن تقدير الجار مضافاً إليها لأنها حرف فتقديرها بأنها مرادفة لمعنى حتى يقدر جاعلاً مضافاً إليها لا يصح والذي يقتضيه المعنى وسياق الكلام أن يكون التقدير قال: واجعل من ذريتي إماماً، لأنه فهم من قوله: جاعلك للناس إماماً: الاختصاص. فسأل الله تعالى أن يجعل من ذريته إماماً. وقرىء: بضم الذال وبكسرها وبفتحها. والذرية: النسل وفي وزنها وفيما اشتقت منها اختلاف والظاهر أن وزنها فعلية مشتقة من الذر.﴿ قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ﴾ أي قال الله. وفي العهد أقوال أظهرها الامامة لأنه المصدّر به والمطلوب من إبراهيم لذريته. وهذا الجواب يربي على السؤال، لأن إبراهيم طلب من الله أن يجعل من ذريته إماماً فأجابه أنه " لا ينال " عهده الظالم. ودل مفهوم الصفة أنه يناله من ليس بظالم. ودل الجواب على انقسام ذريته إلى ظالم وغير ظالم. وفيه دليل على أن الفاسق لا يصلح للإِمامة.


الصفحة التالية
Icon