﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ ﴾ الآية هذه السورة مكية وقيل غير ذلك والتي تجادلك خولة بنت ثعلبة وقيل غير ذلك وأكثر الرواية على أن الزوج في هذه النازلة أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ظاهر من امرأته قال أبو قلابة وغيره: كان الظهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤبدة ولما ظاهر أوس بن أسامة قالت زوجته:" يا رسول الله أكل أوس شبابي ونثرت له بطني فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه فقالت: يا رسول الله لا تفعل فإِني وحيدة ليس لي أهل سواه فراجعها بمثل مقالته فراجعته فهذا هو جدالها وكانت تقول في خلال ذلك اللهم إن لي منه صبية صغار إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا فهذا هو اشتكاؤها إلى الله تعالى فنزل الوحي عند جدالها قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات كان بعض كلام خولة يخفى علي وسمع الله جدالها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أوس وعرض عليه كفارة الظهار العتق فقال: ما أملك والصوم قال: ما أقدر والإِطعام فقال لا أجد إلا أن تعينني فأعانه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً ودعا له فكفر بالإِطعام وأمسك أهله "وكان عمر يكرم خولة إذا دخلت عليه ويقول قد سمع الله تعالى لها والظهار قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي يريد في التحريم وقوله: ﴿ مِنكُمْ ﴾ إشارة إلى التوبيخ العرب وتهجين عاداتهم في الظهار لأنه كان من إيمان الجاهلية خاصة دون سائر الأمم والظاهر أن قوله: ﴿ مِّن نِّسَآئِهِمْ ﴾ يشمل المدخول بها وغير المدخول بها من الزوجات لا من ظاهر منها قبل عقد نكاحها.﴿ مَّا هُنَّ ﴾ أجري مجرى ليس في رفع الإِسم ونصب الخبر كما في قوله تعالى:﴿ مَا هَـٰذَا بَشَراً ﴾[يوسف: ٣١] وقوله:﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾[الحاقة: ٤٧] وقرأ المفضل عن عاصم أمهاتهم بالرفع على لغة تميم وابن مسعود بأمهاتهم بزيادة الباء. قال الزمخشري: في لغة من ينصب " انتهى "، يعني أنه لا تزاد الباء إلا في لغة تميم وهذا ليس بشىء وقد ردّ ذلك الزمخشري وزيادة الباء في مثل ما زيد بقائم كثير في لغة تميم والزمخشري تبع في ذلك أبا علي الفارسي ولما كان معنى كظهر أمي أي كأمي التحريم ولا يراد خصوصية الظهر الذي هو من الجسد جاء النفي بقوله: ﴿ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾ ثم أكد ذلك بقوله: ﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ أي حقيقة.﴿ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ والحق بهن في التحريم أمهات الرضاع وأمهات المؤمنين أزواج الرسول عليه السلام وان نافية واللائي أحد جموع التي وقول المظاهر منكر من القول تنكره الحقيقة وينكره الشرع وزور كذب وباطل منحرف عن الحق وهو محرم تحريم المكروهات جداً وإذا وقع لزم وقد رجى تعالى بعده بأنه عفو غفور مع الكفارة والظاهر أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها فلو قال: أنت علي كظهر أختي أو ابنتي، لم يكن ظهاراً والظاهر أن قوله: ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ أن يعودوا اللفظ الذي سبق منهم وهو قول الرجل ثانياً: أنت علي كظهر أمي فلا تلزم الكفارة بالقول الأول وإنما تلزم بالثاني وهو قول أهل الظاهر. وروي أيضاً عن بكير بن عبد الله بن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة وهو قول الفراء وقال طاوس وقتادة والزهري والحسن ومالك وجماعة لما قالوا: أي للوطء والمعنى لما قالوا انهم لا يعودون إليه فإِذا ظاهر ثم وطىء فحينئذٍ تلزمه الكفارة وإن طلق أو ماتت، وقال أبو حنيفة ومالك أيضاً والشافعي وجماعة: معناه يعودون لما قالوا بالعزم على الإِمساك والوطء فمتى عزم على ذلك لزمته الكفارة طلق أو ماتت. وقال الشافعي: العود الموجب للكفارة أن يمسك على طلاقتها بعد الظهار ويمضي بعده زمان يمكن أن يطلقها فيه فلا يطلق.﴿ وَٱلَّذِينَ ﴾ مبتدأ ضمن معنى إسم الشرط فلذلك دخلت الفاء في خبره وتحرير خبر مبتدأ محذوف تقديره فالواجب تحرير رقبة والظاهر في التماس الحقيقة فلا يجوز تماسهما بقبلة أو مضاجعة أو غيرك ذلك من وجوه الاستمتاع وهو أحد قولي الشافعي وقول مالك وقال الأكثرون هو الوطء فيجوز له الاستمتاع بغيره قبل التكفير. وهو الصحيح من مذهب الشافعي والضمير في يتماسا عائد على ما دل عليه الكلام في المظاهر والمظاهر منها.﴿ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ﴾ إشارة إلى التحرير.﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ ﴾ أي الرقبة ولا ثمنها أو وجدها أو ثمنها وكان محتاجاً إلى ذلك فقال أبو حنيفة: يلزمه العتق ولو كان محتاجاً إلى ذلك ولا ينتقل إلى الصوم وهو الظاهر. وقال الشافعي ينتقل إلى الصوم والظاهر وجوب التتابع.﴿ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ ﴾ أي الصوم لزمانة به أو كونه يضعف به ضعفاً شديداً والظاهر مطلق الإِطعام ويخصصه ما كانت العادة في الإِطعام وقت النزول وهو ما يشبع من غير تحديد بحد.﴿ ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ ﴾ إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحرير إلى الصوم والإِطعام ثم شدّد بقوله: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ﴾ تعالى أي فالتزموها وقفوا عندها ثم توعد الكافرين بهذا الحكم الشرعي.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ﴾ نزلت في مشركي قريش أخذوا يوم الخندق بالهزيمة كما أخزي من قاتل الرسل من قبلهم ولما ذكر المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادين المخالفين لها والمحادة المخالفة والمعاداة في الحدود.﴿ كُبِتُواْ ﴾ أي أخذوا ولعنوا والذين من قبلهم منافقو الأمم وهي بشارة للمؤمنين بالنصر وعبر بالماضي لتحقق وجوده ووقوعه.﴿ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ أي على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به.﴿ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾ أي الذين يحادونه.﴿ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ أي يهينهم ويذلهم والناصب ليوم يبعثهم العامل في الكافرين أو مهين أو أذكر أو يكون على أنه جواب لمن سأل متى يكون عذاب هؤلاء فقيل له يوم يبعثهم أي يكون يوم يبعثهم وانتصب جميعاً على الحال أي مجتمعين في صعيد واحد.﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ ﴾ تخجيلاً لهم وتوبيخاً.﴿ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ ﴾ تعالى بجميع تفاصيله من كميته وكيفيته وزمانه ومكانه.﴿ وَنَسُوهُ ﴾ هم لاستحقارهم إياه واعتقادهم أنه لا يقع عليه حساب.﴿ شَهِيدٌ ﴾ لا يخفى عليه شىء.﴿ رَابِعُهُمْ ﴾ رابع إسم فاعل من ربعت القوم ومعنى رابع ثلاثة الذي صير الثلاثة أربعة وكذلك سادسهم.﴿ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى الثلاثة والخمسة والأدنى من الثلاثة الاثنان ومن الخمسة الأربعة.﴿ وَلاَ أَكْثَرَ ﴾ يدل على ما يلي الستة فصاعداً.﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ﴾ نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون دون المؤمنين وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم عليهم موهمين المؤمنين من أقربائهم أنهم أصابهم شر فلا يزالون كذلك حتى تقدم أقرباؤهم فلما كثر ذلك منهم شكا المؤمنون إلى رسول الله صلى الله فأمرهم أن لا يتناجوا دون المؤمنين فلم ينتهوا فنزلت قاله ابن عباس رضي الله عنهما.﴿ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ ﴾ كانوا يقولون السام عليك وهو الموت فيرد عليهم وعليكم وتحية الله تعالى لأنبيائه وسلام على عباد الله الذين اصطفى.﴿ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ أي إن كان نبياً فما له لا يدعو علينا حتى نعذب بما تقول فقال تعالى:﴿ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ ثم نهى المؤمنين أن يكون تناجيهم مثل تناجي الكفار وبدأ بالاثم لعمومه ثم بالعدوان لعظمته في النفوس إذ هي ظلامات العباد ثم ترقى إلى ما هو أعظم وهو معصية الرسول عليه السلام وفي هذا طعن على المنافقين إذ كان تناجيهم في ذلك.