ولما قالوا: كيف يضرب الله الأمثال بالصَّيبِ والمُسْتَوْقدِ والعَنكَبُوْت نزل: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى ﴾ أي: لا يترك ترك المستحي، إذِ الحَياءُ: انقباض النفس من القبيح مخافة الذم، وهو -تعالى- مُنزَّه عنه، وأَصلُهُ التَّهيُّبُ، وآقره على الترك مبالغة أو مماثلة لكلام الكفرة ﴿ أَن يَضْرِبَ ﴾ يبين ﴿ مَثَلاً ﴾ شبهاً ﴿ مَّا ﴾ أي: شبه، وضرب المثل: اعماله من ضرب الخاتم ﴿ بَعُوضَةً ﴾ صغير البق ﴿ فَمَا فَوْقَهَا ﴾ صغراً أو كبراً ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ﴾ المثل ﴿ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ ﴾ أيّ شي ﴿ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً ﴾ حَالٌ أو تَمْييْزٌ، وآثره على: فلا يعلمون بيانا لكمال جهلهم كناية، والإرادة نزوع النفس وميلها إلى فعل بحيث يحملها عليه، أو قوة هي مبدأ النزوع، وإرادة الله -تعالى- ترجيح أحد مقدوريه على الأخر في الإيقاع، أو معنى يوجب هذا التجريح ﴿ يُضِلُّ بِهِ ﴾ بالمثل ﴿ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ﴾ وكثرتهما بالنسبة إلى أنفسهما، إذ المهْدِيُّنَ قليلون ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ الخارجين عن الإيمان، والفاسقُ شَرعاً: الخارج عن أمر الله بارتكابه الكبيرة، وله ثلاث درجات: *الأولى: التغابي بأن يرتكبها أحياناً مستقبحاً إياها. * الثاني: الانهماك فيها بلا مبالاة بها. * الثالث الجحود بأن يرتكبها مستصوبا إياها فَهُوَ كَافِرٌ خَارِجٌ عن الإيمان، كما نحن فيه، وعند المعتزلة: مرتكب الكبيرة لا كافر ولا مؤمن لأن الإيمان عندهم عبارة عن الأمور الثلاثة كما مَرَّ، والكفر تكذيب الحق، والنصوص تَرُدُّهُمْ ﴿ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ ﴾ يبطلون وأصله فسخ طاقات الحبل ﴿ عَهْدَ ٱللَّهِ ﴾ في قوله:﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾[الأعراف: ١٧٢] ﴿ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ ﴾ أي: توكيده بإرسال الرسل مع الكتب المذكورة ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ من الأرحام ونحوها مِمَّا هُوَ وصلة بيننا وبين الله ﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ ﴾ بالمعصية ﴿ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ ﴾ والخاسر من خسر أحد ثلاثة: المال والبدن والعقل وهم من الثلاث.


الصفحة التالية
Icon