﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ﴾ لانتفاعكم في دنياكم بوسط أو غيره، وفي دينكم استدلالاً ﴿ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ﴾ ولو سماء ونحوه، فالأصل في كله الإباحة وما يعم كل ما فيها لأنفسها إلا إذا أريد بها جهة السفل ﴿ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ ﴾ قصد بإرادته ﴿ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ ﴾ عدلهن بلا عوج، جمع لأنها في معنى الجمع أو جمع سماة أو مبهم يفسره ﴿ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ ﴾ فخلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها ودحو الأرض، أي: بسطها بعده كما قال أبنُ عَبَّاسٍ وغَيرهُ. فلا يرد استشكال كثير المفسرين بأن هذا وما في " حَم " السجدة من قوله:﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾[فصلت: ١٠] ينافي ما في النازعات، إذ فيها﴿ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾[النازعات: ٣٠] فأولوه تارة بأن ثُمَّ هُنا للتراخي الرتبي لا الزماني وتارة بأن " بعد " ليس ظرفاً " لدحاها "، وأن نصب الأرض بفعل دَلَّ عليه:﴿ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ ﴾[الحشر: ١٣] لأن خلق ما في الأرض كالجبال والأنهار ونحوها ليس بِدَحْوٍ ولا يستلزمه، فيمكن خلقها قبل دحوها وقبل السماء، وأما دحوها فبعد السماء ليوافق لتفسير أكابر الصحابة، والله -تعالى- أعلم. ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَ ﴾ اذكر ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ تعليماً للمشاورة وتعظيماً لآدم وبياناً لأنَّ الحِكْمة تَقْتضيْ إيجادَ مَا يَغْلبُ خيرهُ شرَّهُ ﴿ لِلْمَلَٰئِكَةِ ﴾ جمع مَلْأَكَة الذي مخففه ملك، والراجح أنه من الملك لا من الألوكة بمعنى الرسالة، والمراد مُطْلَقُهُم، أَوْ مَلَائكةُ الأَرض. والمَلَكُ: جسم لطيف قادر على التشكل بأشكال مختلفة [وعند الحكماء جَوَاهِرُ مُجَرَّدةٌ مخالفة للنفوس الناطفة حقيقة]، قيل: فمنهم المقربون المستغرقون في معرفة الحق، ومنْهُم السَّمَاويُّونَ من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ومنهم الأرضيون من يدبر أمر الأرض ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ من الله لينفذ أحكامه امتحانا لهم وتهديدا، لَا عجْزاٍ. والخليفةُ: مَنْ يَخْلف ويَنُوْبُ غَيْرَهُ، كما أن الخالفة من سيخلفه الرئيس على أهله أو من الجن أو أراد آدم وذريته يخلف بعضهم بعضاً ﴿ قَالُواْ ﴾ استكشافاً ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ ﴾ إنما عرفوه بإعلام الله، أو تلقياً مِنَ اللَّوْحِ أو قياساً لأحد الثقلين على الأخر. والسَّفْكُ والسَّبْكُ والسَّفْحُ والسَّنُ أنواع من الصَّبٌ ﴿ وَنَحْنُ ﴾ بإزاء هاتين الصفتين ﴿ نُسَبِّحُ ﴾ نُبَعِّدُكَ عن كل نقص ملتبسين ﴿ بِحَمْدِكَ ﴾ تداركوا به ما أوهم اسنادهم التسبيح إلى أنفسهم ﴿ وَنُقَدِّسُ ﴾ نطهر نفوسنا عن المعاصي ﴿ لَكَ ﴾ أو نقدسك عن المعاصي أو نقدسك عن النقص، فنحن أحق ﴿ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ من المصالح، ثم خلقه من أديم الأرض أي: وجهها.


الصفحة التالية
Icon